بقلم: أبو حفص الحلبيلا يخفى على أحد أهمية عنصر الشعب في بناء الدولة، فهو الركيزة الأساسية لها، وابن خلدون يعده من أهم عناصر للدولة، وهو لا يكتفي بذلك بل يؤكد أولوية هذا العنصر على السلطة بشكلٍ خاصٍّ عندما يقول في مقدمته: “إنّ الملك والسلطان من الأمور الإضافية، فالسلطان من له رعية.”من ثغرات تكوين الدولة العربية المعاصرة مساعي الحكام في تشكيل تركيباتٍ سكانيّةٍ تسمح ببسط نفوذهم، وإذا كان هذا الأمر لا يقتصر على سوريا وجوارها، فإن تطورات النزاع فيها منذ أكثر من ثلاث سنواتٍ تبيّن بجلاء خطورة ما يحدث من فرزٍ سكانيٍّ وتطهيرٍ يستهدف فئاتٍ بعينها في مسعى لتغيير وجه البلد وربطه بمشروعٍ امبراطوريٍّ إيرانيٍّ من العراق إلى لبنان.لقد حفلت هذه المنطقة من العالم بالعديد من الانقلابات والتغييرات ومشاكل الأقليات القومية والدينية من لبنان إلى العراق، لكن ما يحصل في سوريا منذ 2011 ينذر بمخاطر كبيرة نتيجة حجم التغيير في التركيبة السكانية وآثاره المحتملة على وحدة الأراضي السورية وتوزع السكان فيها.إنّ عملية التفريغ الديموغرافي المنهجية تهدف إلى فرض أمرٍ واقعٍ على الأرض في سوريا عبر السيطرة على ريف دمشق والعاصمة والقلمون مروراً بحمص للوصول إلى الساحل السوري، والحيز الجغرافي المذكور يحافظ على مركز القرار في دمشق، وعلى خطوط التماس مع إسرائيل كما يشكل امتداداً طبيعياً لمنطقة البقاع اللبناني، حيث معقل حزب الله وقواته المسلحة.وهكذا تبرز مصلحة إسرائيل في استمرار السيطرة على الجولان وعلى الجار المنهك ذي النظام الأقل سوءاً حسب التعريفات، كما يخدم هذا الواقع الجديد مصلحة إيران ومشروعها الإمبراطوري عبر المحور الممتد من طهران إلى بغداد ودمشق وصولاً إلى البحر المتوسط، ويخدم هذا التبديل الديموغرافي مصالح روسيا للحفاظ على قاعدة طرطوس ومراكزها على الساحل السوري.وأتت معركة كسب الأخيرة وكأنها تسهم في تركيز خط فصل بين العلويين في سوريا ونظرائهم في تركيا، مما يعطي أيضا منفذاً بحرياً صغيراً لأيّة تركيبةٍ إداريةٍ جديدةٍ في حلب أو جوارها، ومن يلقي نظرةً على إحكام الكرد السيطرة على مناطق تواجدهم وما يجري من حروب النفط حول دير الزور، يستنتج أن الانقلاب الديموغرافي والاهتراء السياسي والتشتت سيطيل عمر المأساة السورية وسبل حلها وتركيب البلاد على أساس الفدرالية.وبما أن التوصل إلى ترتيبٍ داخليٍّ وإقليميٍّ ودوليٍّ يحل مكان اتفاقية سايكس بيكو ليس في متناول اليد على المدى المنظور، يبدو أن الكيان السوري كما كيانات بلدانٍ مجاورةٍ سيكون قيد الدرس أو الانتظار.والمريع أيضاً إجراء انتخاباتٍ رئاسية في ظل غياب التغطية البشرية في حدها المقبول، والاستهتار بحق المغتربين والنازحين بما يذكر بالتغريبة الفلسطينية وتتماتها.