لا يمكن أن يُلام السوريون لأنهم تظاهروا أمام الحدود التركية، ولا حتى أنهم حاولوا اقتحامها، ولا يُلام أيضاً من قام بالإساءة لبعض رموز الدولة التركية وشخصياتها، فالمكلوم لا يُعاتب ولا يُلام مهما فعل، فكيف بمن احترقت أرضه وهُدمت داره وقُتل أبناؤه أمام أعين من وثق به ضامناً لأمنه وسلامته.؟!
هي حالة من الجنون يكفر بها المرء بكل شيء، ولن يقبل منطق التبريرات حتى لو كانت حقيقية، وتحت ضغوط قد لا تَقدر تركيا على تحملها، وما أبشعها لو كانت صفقة على حساب وطنه تكون فيه دماء أولاده فرق حساب بين المتخاصمين!
هؤلاء الذين انتفضوا باتجاه الحدود معهم كل الحق، ولهم أن يفعلوا ما يشاؤون، ولا يحتاجون أبداً لمن يعلمهم أصول الاحتجاج والتظاهر وعدم الإساءة للجيران أو الإساءة لأنفسهم ولأخلاق الشعب السوري كما يتنطع البعض، أي إساءة بعد كل ما تعرضوا له؟! أيّ أحمق يُعاتبهم ويلومهم وهو جالس أمام شاشة جواله يرقب الأخلاق والآداب ويقدم نظرياته وتعاليمه ونصائحه الفجة المقيتة.
لا مكان آخر يذهبون إليه بعد أن استشهد خيرة أبنائهم وهم يدافعون عن أرضهم التي تُصلى بالنار والبارود في كل شبر منها، ضاعت نصف الأرض المحررة في المعركة الأخيرة والضامن يُراقب الموت ولا يُحرك ساكناً بعد أن استأمنه أصحاب البلاد على أرضهم وأرواحهم، ومنحوه ثقة لم يمنحوها لكثير من أبنائهم، ضاعت الأرزاق والبيوت والأرواح في طرفة عين بعد أن كان أصحابها مطمئنون لاتفاق بين ضامنين تبين أن أحدهما فاجر والآخر عاجز، … يريدون أن يذهبوا إلى حيث لا يقتلون، ولا يريدون انتظار حتفهم فيما تبقى من أرض لا ضامن فيها إلا الموت، ولا حياة فيها إلا لأدواته.
قد يعودون مرة بعد مرة ويحاولون كسر الحدود كذلك، قد يحاربون بما تبقى من أجسادهم المنهكة كل الذين أعلنوا الوقوف بجانبهم وخذلوهم قبل أن يحاربوا أعداءهم، ولهم كل الحق في ذلك، ليس لأحد أن يقول لهم ما يفعلون، هم فقط يعرفون ذلك ويختارونه وحدهم، أمّا نحن فيجب أن نقف إلى جانبهم بصلابة أو نلتزم الصمت فقط، أمامهم الحدود وخلفهم النار ولا خيار أمامهم سوى الجنون.
المدير العام | أحمد وديع العبسي