بقلم: غيث البحرالمدير السابق لصحيفة حبر لا ألوم من استغنى عن الثورة من ثوارها وناشطيها، ولا ألوم من قدَّم استقالته بعد أن كان من أكثر الناس حماساً وسعياً نحو سوريا أفضل وسوريا دون الطغاة والظالمين، وقد أصل أحيانا إلى درجة كتابة استقالتي سالكاً طريق المحبطين من خيرة أبناء بلدي، ففي الواقع الذي تعيشه سوريتنا الحبيبة أجد نفسي عاجزاً أمام العدد الهائل من الخيارات التي يجب أن أختار منها، وأشعر بحجم الشتات الكبير بين الطرقات التي يجب أن أسلكها في سبيل مساعدة سوريا والسوريين.أرى الجائعين وأتمنى لو أترك كل ما في يدي وأسعى لإغاثتهم، أفكر بالمعتقلين وأحلم أني وضعت كل جهودي للمساعدة في تحرير بعضهم، وأرى فقيرا يسأل في الشوارع فأريد مساعدته. وتقدح في ذهني أوضاع المحاصرين في غوطة دمشق وحمص ودير الزور، وأعود إلى ساحات القتال فأفكر بحجم الضغط الذي يعانيه مجاهدونا وحاجتهم إلى الدعم في المجالات كافة، وأردف بأفكاري إلى طلابنا الذين حرموا من التعليم، وإلى جرحانا الذين يعانون في كل مكان، وحجم الهجمة الإعلامية على ثورتنا، والضياع السياسي للمعارضة، والمعاناة من انقطاع الكهرباء والماء، ووو..أنا عاجز وصغير لا يمكنني فعل شيء، قدمت كل ما أملك وعملت بأقصى طاقتي، ولكنني أشعر بأن مجهوداتي وأعمالي لا تساوي قطرة في بحر مآسي السوريين، ولنقل إنني سأستمر! ما الذي سأغيره؟ لقد خرجت القضية السورية من أيدينا، إنها تدار الآن من قبل القوى الكبرى في العالم، والتي لا تنوي خيرا للسوريين، لا يوجد حل، فقدت الأمل بالكامل، كل ما أفعله بلا جدوى.إذا ماذا أفعل؟ هل أنسى كل شيء يتعلق بسوريا والسوريين وأسعى لما ينفعني وحدي! نعم لقد استنزفت كل طاقاتي على مدار السنوات الخمس الماضية ونسيت دراستي ومشاريعي الشخصية وضيعتها لدرجة أنني حملت ديونا أحتاج إلى سنوات لأفيها. ولكن ماذا عن معاناة شعبي! لا أستطيع نوم الليل متجاهلا حالهم، هذا مستحيل فلست أنا من يسعى لمصلحته متناسيا الناس، أنا من خلقت لأجل الناس، أنا من قررت من أول يوم وعيت فيه في هذه الدنيا أن أكون عوناً للناس ونصرا لأمتي جمعاء، ولكنني أعود إلى بداية الدوامة، ماذا أفعل ولماذا أعمل طالما كان عملي لا يذكر مقارنة بمعاناة شعبي!الاستقالة والتخلي عن بلدي وشعبي هي الحل الأسهل، ولكن… فإنه كما لا وجود للخارقين في الحياة لا توجد طرق مختصرة، إذاً ما الحل إذا كان كل ما أعمله لا يكفي!الحل عند الحق، الحل عند الله سبحانه وتعالى، الحل عند القدير، أم نسينا من نعبد! أم نسينا أن الله يستطيع مسح روسيا وإيران وبشار وجنوده بلمح البصر! إذاً، لماذا لم يحدث هذا! لم يحدث لأن الوقت لم يحن، ولأننا لم نصل إلى مرحلة استحقاق النصر، فمتى إذاً نصل إلى هذه المرحلة؟! نصل إليها عندما نقدم كل ما نملك في سبيل الله، وعندما نصبح يداً واحداً، عندما أعمل ما علي كناشط في مجال الإغاثة وأثق بأن المقاتل سيبذل جهده في مجاله، وبأن المدرب سيخلص في تأدية عمله، وأثق بأن كل ثغرة أتمنى أن أترك عملي لسدها سيرسل الله شخصا مخلصا مثلي لأجلها، وأؤمن بأنه حتى لو لم يتوفر أحد لسد الثغرة فالله قادر على كل شيء، وأتذكر في النهاية بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعد سراقة بسواري كسرى عندما كان ملاحقاً ومهددا بالموت، وبأنه أرسل لملوك الدنيا وجبابرتها يدعوهم للإسلام عندما كان الكفار يحشدون جيوشاً للقضاء على كل مسلم في المدينة المنورة، لقد آمن بنصر عظيم من الله في أحلك الظروف، أفلا نمشي على طريقه؟!