ناهد البكري |
أجبرهنَّ النظام وقصفه على النزوح من بيوتهنَّ مع أزواجهنَّ وأطفالهنَّ، فكانت الخيام في الأراضي الزراعية مستقراً لهنَّ، وأصبحنَ أمام واقع لا مفر منه دفعهنَّ إلى خوض غمار الحياة في طريقة لم تعتد بعضهنَّ عليها، لأن الحياة في خيمة النزوح تختلف عن الحياة الريفية لدى بعض النساء اللواتي اعتدن عليها، حيث اختلف المأوى عليهنَّ واختلفت معه طريقة العيش بكل تفاصيلها، وفقدنَ عملهنَّ الذي يكسبنَ منه لقمة عيش تسد رمق أطفالهنَّ خاصة في ظل فقدان المعيل، لا سيما في الزراعة وغيرها.
فما أثر النزوح على شرائح النساء في خيام النزوح؟ وهل اعتدنَ عليها وتأقلمنَ معها؟!
(أم حمدو) واحدة من مئات المهجرات اللواتي نزحن من بيوتهنَّ، فقد نزحت من (معرة النعمان) جراء شدة القصف، تروي لنا: “نزحنا من بيتنا وتركنا متاعنا ومزرعة من الخضروات كنت أعمل بها لأعيل أبنتي وكَنَّتيْ الأرملتين وأطفالهما، حيث لا معيل لنا نتكأ إليه لتحملِ مشاق الحياة.
نعاني الآن من عدم وجود مأوى، وصعوبة التأقلم مع واقع الحياة الجديدة التي فُرضت علينا، وأشد ما أعانيه صعوبة الحصول على عمل وأنا امرأة مسنة لم يبقَ لدي من القوة ما أستطيع به العمل.”
اختلاف نمط الحياة من البيت إلى الخيمة جعل (أم حمدو) تعاني كثيرًا، فانعكس ذلك على ثقافة الأولاد وعدم توافر مقومات النظافة التي لا تستطيع أم حمدو تأمينها، بالإضافة إلى صعوبة المعاناة في الأطفال.
لا يقل شأن (أم حمدو) سوءًا عن (أم رمزي) التي أُجبرت على التأقلم مع الواقع الصعب، التي ماتزال مُهجَّرة منذ ست سنوات عن مدينتها (الطيبة) وتصف معاناتها بقولها: “إن الحياة أجبرتني على العمل أنا وابني لتأمين مورد للعيش، حيث عملت في الأراضي وبما يعرف بتعفير الزيتون، واضطررت للطبخ على النار، والتقاط الحطب لتأمين التدفئة، ونقل الماء من مورده، فالحياة في الخيم والتهجير شاقة وتحتاج للعمل لكي نعيش، ونحن مالنا معيل غير الله.
وعند سؤالنا أم رمزي فيما إذا عملت من قبل، أجابت: “عملت في أعمال الزراعة التي كانت شاقة بالنسبة إلي، ولكنها أخف وطأة من الذل والحاجة، وأنا أفضل حالاً من باقي النساء كوني متمرسة بالعمل الزراعي، أما غيري فالأمر قاسٍ عليهنَّ، خاصة ممَّن لم يعتدنَ العمل من قبل.”
وعن دور المنظمات الدولية المعنية في شؤون المرأة التقينا (عبد الرحمن اليحيى) مدير منظمة سداد الإنسانية، حيث أفادنا أن (سداد) كانت منذ مدة تسعى لتكوين المرأة العاملة التي تُعيل نفسها بضوء الظروف القاسية.
وتابع قوله: قمنا بمشاريع لتمكين المرأة في مرحلتين، تتضمن كل مرحلة دورات (محو أمية، ودورات كوافيرة، وخياطة، وأساسيات التمريض، ودعم نفسي واجتماعي، وصوف، وإكسسوارات) بالإضافة إلى مشروع المساحات الآمنة للنساء والفتيات.”
وعن دور هذه المشاريع في المخيمات قال “يحيى”: إن بنية المخيمات التحتية حالت دون تنفيذ هذه المشاريع، بالإضافة إلى عدم توفر مانح في الوقت الراهن ليدعم هذه المشاريع.”
وأضاف يحيى: “مع ذلك نحن على مثابرة لتأمين مشاريع تمكين جديدة، لأنها تنطبق مع سياسة المنظمة، وكنا ندعم دورات تمكين لـ 13 مركز بالإضافة إلى مركزين بعفرين وجنديرس، وهذه المراكز بجهود المنظمة دون مانح.”
إن النزوح وتبعاته فاقم دور المرأة ومعاناتها، ووضعها تحت ضغوطاتٍ في القدرة على العيش، فأجبر بعضهنَّ على العمل داخل بيوتهنَّ وخارجها، وأُجبر بعضهنَّ على التكيف للعيش داخل الخيمة بكل تفاصيل الحياة اليومية من طبخ ونظافة ورعاية الأطفال…، فيما هناك شريحة كبيرة لم تتكيف مع الواقع الحالي المؤلم، فالانتقال من حياة المدنية والبيوت والاستقرار إلى الخيام والتشرد حطَّم أحلام الكثيرات منهنَّ وزاد من معاناتهنَّ.