بقلم الصحفي: عمر الحلبيأمشي في طريقي المكتظّ بالدمار والمجازر، فكلّ شارع من بلدي أصبح يحكي قصّة الطائرة التي أفرغت أوزارها عليه … كان هناك رجلٌ ينظًر إليّ، بل كانت نظراته تلاحقني أينما وقفتُ ومشيتُ … سألته ما بك؟ فأجابني (أنا خائف) … أجبته: كيف تخاف وأنت في عصر الحريّة؟ وصار يسرد الكلمات… أيّها الصحفيُّ، أوصل صرختي التي تحرِق قلبي، لستُ قادراً أكثر على الكتمان، فقد باتت نخوتي تتألم… قل لهم يا سادتي وسيادتي يا تاج رأسي وقدوتي يا من خرجتم تقاتلون ضدّ الظُلم والطُغيان، دفعتكُم نخوتكُم وكرامتكُم وعروبتكُم.. وظُلم بشار، فلماذا أصبحتم عبيداً للغرب والدعم والدولار؟ بالأمس كان لي ولد قتلته طائرة ببرميلها، وزوجتي قُطعت رجلها وابنتي بقيت نائمة على سريرها … وناديت الموت: أجبني لماذا تقتلنا السماء؟ … تعلّمت في صغري أنَّها للغيث والعطاء … وكأنّ الموت يخجل من إجابتي، فرحل يبكي على حالي وأنا أصرخ ربِّ ذهبَ بيتي وذهبَ عيالي ماذا أصنع؟ إلى من أٌحيل قضيتي وأحوالي؟ … إلى المحاكم القضائيّة التي تسير بحسب المحسوبية تُحاكم الضّعيف وتخاف من القادة العسكريين؟! يا سيدي الصحفيُّ كنت جالساً أسمع أحاديث النبيّ عن الجهاد والقتال والعزيمة وبطولات يسطّرها أجدادنا، وأمجاد كتبها التاريخ لأحفادنا وكلّي ثقةٌ وحماسةٌ وإصرارٌعلى الحريّة… بعد أيام كان رجل يقول: في ذاك الفصيل صواريخُ حراريّة تضرب الطائرات الحربيّة والمروحيّة … في ذاك الفصيل تعلقت مهجتي ذهبت وطلبت مقابلة القائد لكي أعبِّر له عن فرحتي، وبعد عدة ساعات من الانتظار… كانت الإجابة أنّه في تركيا. قلت: ماذا يصنع في تركيا ونحن الشعب نموت بالغارات اليوميّة؟ … ماذا يصنع في تركيا أهي سياحة أم خوف أم سيُحضر دعماً لوجستياً؟ أم أنَّ الجبهات أصبحت في الفنادق الملكيّة؟ نظر إليَّ الحارس موجهاً نحوي الروسيّة … وكانت النظرة غبيّة، وأجاب: إنّها شؤون عسكريّة، فلا تتدخل وإلّا وضعتك في الأقبية المخفيّة!!. يا سيدي لا أريد أن أفصح أكثر فروحي أصبحت تتكسرُ على أبواب غرف العمليات وغرف التحرير والتشكيلات الثوريّة وتيارات وعديّة ومصالحات وطنيّة وأحزاب سياسيّة وقادات أصبحت تأخذ الأوامر من الدول الغربيّة، وطائرات سوريّة وحلفيّة وروسيّة كلّهم ضدنا، كلّهم علينا، وأين قاداتنا؟ إنّهم يومٌ هنا وشهرٌ في تركيا…أنا لا أريد إلّا صاروخاً حراريّا…أضرب به الطائرة التي قتلتني وأنا على قيد الحياة والموت….أين الزمان الذي صرخنا فيه سلمية؟وأين الزمان الذي كنّا نحرّر فيه الساحات والباحات والتلال والجبال والأحياء ببندقية؟لماذا بعد رباط أعوام لم تعد تنفع البندقية؟لماذا بعد أعوام يصبح القانون عنصرية؟ولماذا بعد أعوام يصبح الحر بربرياً؟ولماذا يا سيدي أنت تسمع ولا تجيبني نهائياً؟ومن أين لي وأنا الكاتب الذي غصّت بفمي الكلمات وجفّ حبر قلمي.نظرتُ إلى عينيه الدامعتين وقلت له: لم نعد نستطيع تحرير شبر من أرضنا إلّا بقرارات أمميّة… السياسة العمياء تسحبنا إلى مستنقعاتٍ وهميّة، فالخطوطُ الحمراءُ أصبحت علنيّة…افهم بين السُطور لتعرف الحقيقة المخمليّة…ضحك الرجلُ ضحكة قوية، وسألني: إذا قلتُ لك قصة أخرى تعطيني رغيف خبز لأبقى حيا؟ ورحل يحدّث نفسه صارخاً بكلمات همجية…وجاء آخر يقول لي: لا تأخذ بحديثه إنَّه مجنون لا يفقه شيئا…من المجنونُ منّا؟ ومن العاقل إذا؟ …قمت ونفضت عن ثيابي تراب الوطن وتابعت المسير وأنا أحدّث نفسي في العلن هل سأصبح هكذا غدا؟!