غسان الجمعة
تستمر تداعيات استهداف أرامكو السعودية بسجال دبلوماسي بين إيران والسعودية في ظل تحذيرات من نشوب صدام تدفع إليه طهران بكل الوسائل الممكنة كونها لن تخسر شيئاً بكل الأحوال، فهي تعاني من عقوبات قاسية قد يصل ضغطها إلى مرحلة الانفجار في الداخل الإيراني بأي لحظة، لذلك فهي تحاول تصديره والتخفيف من حدته بعربدة إقليمية وقطع لطرق الملاحة وعراقيل تصطنعها هنا وهناك محاولة الخروج من عزلتها الموبوءة.
في عالم السياسة الذي يقوده ترامب الآن حتى بين الحلفاء تُقيَّم المواقف والتحركات بالدولار الأمريكي وميزان المكاسب والخسارة، وفي صراع إيران مع الدول الخليجية حصل ترامب من الضرع السعودي على كل ما يريد من عقود وثروات وضمن أسواق مفتوحة في الشرق الأوسط لشركات السلاح الأمريكية بالضغط على سياسات دول الخليج في الكثير من قضايا المنطقة، حيث تغيرت طريقة تعاملاتها مع ملفات عديدة خارج المنطق السياسي الذي وصل حدَّ الضرر لهذه البلدان في إطار التعامل مع الملف الإيراني.
ففي سورية خفضت الدول الخليجية من دعمها لقوات المعارضة السورية وتخلت عن فكرة إسقاط النظام السوري وانتهجت السياسة الأمريكية نفسها في المنطقة من خلال التركيز على داعش وتركت الملف السوري بيد الروس والإيرانيين، بل إن سفارات بعض الدول عادت لعملها في دمشق وقدمت أخرى بعض الدعم للنظام السوري بأوجه مختلفة الذي بات هو نفسه إيرانياً.
هذا التراجع في المواجهة شجع الإيرانيين على التوجه نحو دول الخليج وعلى رأسها السعودية لتكون أراضيها ساحات لمعارك اليوم، فانطبق عليها المثل القائل “أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض.”
وفي العراق الذي تُسيطر عليه الميليشيات الشيعية ضخت فيه الدول الخليجية المليارات بحجة تحسين الوضع العراقي ظنًا منها أنه سينعكس إيجابياً عليها وسيدعم من قوة الكتلة السنية في العراق، في حين ليس هو ليس سوى إنفاق سخي على المجهود الحربي الإيراني المقنَّع بالمؤسسات العراقية، حيث تتقاسم السذاجة الخليجية كل من إيران والولايات المتحدة حليفة السعودية في بغداد عبر قنواتهما.
وفي الساحة اللبنانية اتسمت السياسة السعودية والخليجية بسياسة الانبطاح وتجنب المواجهة مع حزب الله الإيراني وأضاعت بيدها فرص وشخصيات التوازن السياسية والعسكرية وانسحبت منها لتملأها طهران بنفوذ ميليشياتها، حتى بات لبنان أحد قواعد الانطلاق لخلايا طهران التي تعمل في العمق الخليجي.
أما في مصر التي تشهد احتجاجات ضد نظام عبد الفتاح السيسي فقد اتجهت الإمارات والسعودية إلى معادة الثورة المصرية ووأدتها بدعم العسكر بحجة محاربة الإخوان، مع أن دول الخليج هي الحاضنة التاريخية وملاذ الفرار لقادات وعناصر الإخوان المسلمين سابقاً، وانشغلت مصر عن دورها القيادي في الدفاع عن العروبة بخبزها وعسكرها وفساد ساستها، وقد قدمت هذه الدول درة نفيسة لطهران دون إدراك لمخاطر ذلك وهو في الحقيقة مطلب صهيوأمريكي بامتياز استفادت منه إيران بشكل مباشر أيضاً نتيجة التبعية العمياء لسياسة ترامب.
لابد لهذه الدول أن تعود إلى خندقها الحقيقي حتى تتمكن من الدفاع عن نفسها وتغير من سياساتها تجاه بني جلدتها وملتها، فالسعودية تحديداً، ودول الخليج عموماً، تنبع قوتها من رعايتها للشعوب المضطهدة ودعمها للقضايا الإسلامية والعربية، فلا صفقة القرن منعت مسيرات طهران عن أراضي المملكة، ولا دعم الصين في اضطهاد الإيغور ساهم في ردع إيران عن أطماعها، بل إن أقرب حلفائها في البيت البيضاوي تخلى عنها وتبجَّح بامتلاكه للنفط، في إشارة منه أن اذهبوا إلى الجحيم، وهو بذلك مُحق فالشجرة لا تظللها إلا عروشها.