بقلم نور العليعندما ينعدم التفاهم بين الزوجين ويظهر التعارض في (وجهات النظر، الأهداف، الطموحات، أساليب التفكير) وحين ينعدم الحب ويختفي التراحم، وتندلع المشاجرات وتستعر المنازعات، ويسود حب الذات ويتلاشى الاحترام، وتفشل كل محاولات الإصلاح والوساطة، هنا تستحيل الحياة الزوجية وتصبح التفرقة رحمة لكلا الطرفين. ربما يكون الطلاق في حد ذاته أمرًا بغيضا لكثير من الناس الذين يرون فيه قطعًا لأوصال علاقة بدأت وكان من المفترض أن تدوم وأن تقاوم كل العواصف التي تهب خلال مراحل الحياة، لكن حين تنتفي الشروط الأساسية للحياة الزوجية وهي الحب، الاحترام، المودة والتراحم تصبح الحياة جحيمًا لا يطاق.من هنا يكون الانفصال هو أفضل الحلول، فربما يكون التخلص من عضو فاسد في الجسد-وإن كان في ذلك البتر ألمًا وافتقادًا لدور ذلك العضو-هو أسلم وأضمن لعدم تفاقم وانتشار المرض أو التلف لكامل الجسد.لكن تبقى نظرة المجتمع إلى الطلاق مختلفة، فهو ينظر إلى كل مطلقة نظرة ريبة وشك في تصرفاتها وسلوكها؛ لذا غالباً ما تشعر بالذنب والفشل العاطفي والاجتماعي وخيبة الأمل والإحباط، ممَّا يزيدها تعقيداً ويؤخر تكيفها مع واقعها الحالي، فعودتها إلى بيت أهلها وصدمتهم برجوعها موسومة بلقب “مطلقة” ستسبب لهم المشاكل الكثيرة ممَّا يدفعهم إلى التنصل من مسؤولية أطفالها وتربيتهم ويلفظونهم خارجًا؛ ممَّا يرغم الأم في كثير من الأحيان على التخلي عن حقها في رعايتهم إذا لم تكن عاملة أو ليس لها مصدر مادي كاف؛ لأن ذلك يثقل كاهلها، أمَّا إذا كانت عاملة تحتك بالجنس الآخر تكون المراقبة والحراسة أشد وأكثر إيلاماً.والأطفال هم أولى ضحايا الطلاق لأنَّهم يفقدون بفسخ الرابط الأسري بين أبويهم معاني الإحساس بالأمن والحماية والاستقرار، ليصبحوا فريسة صراعات بين والديهم حول تبعيتهم التي قد تتجاوز حدود المعقول؛ إذ يتسابق كلٌّ منهما ليكسب الطفل إلى جانبه وكأنهما في حلبة صراع أو ساحة حرب، ولو دفعه ذلك إلى استخدام الوسائل الجذابة: كالرشوة أو التجسس أو تشويه صورة الآخر وهي أشد الأمور خطورة، هنا تتحطم الصورة المتوازية لتركيبة الزوجين في ذهنية الطفل، الأمر الذي يجعله يفقد الثقة بالاثنين معاً، وقد يضيق ذرعاً بهذا الوسط الذي يعيش فيه محكوماً بخبرات سيئة؛ فيبدأ بالبحث عن وسط جديد يمنحه الحضن والسكن والرغبة في إيجاد ما يعوضه عمَّا فقده، وقد يدفعه هذا إلى رفاق السوء الذين يقودونه إلى الخطيئة والانحراف.ولعلَّ المنقذ من كل هذه المشاكل هو تلافي وقوعها، فدرهم وقاية خير من قنطار علاج، ولا يكون هذا إلَّا بحسن اختيار شريك يخاف الله ويخشاه، وأن نحسن التعامل مع الشريك جاعلين من ذاك المسكن منارة حب وحنان.