تقرير محمد ضياء أرمنازيلقد ازدان تاريخ القضاء في الإسلام ببدائع من مواقف قضاة العدل، وزها بروائع من انصياع خاصة المسلمين وعامتهم لشرع الله ونزولهم عند أحكامه، ولما كان العدل دعامة الأمم الراشدة حرص الإسلام على تأكيد أهمية دور القضاء، وخطورة موقعه في الأمة.رُوي أن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- افتقد درعًا له، ثم ما لبث أن وجدها في يد رجل يهودي يبيعها في سوق الكوفة، فلما رآها عرفها، وقال: هذه درعي سقطت عن جمل لي في ليلة كذا وفي مكان كذا. فقال الذميّ: بل هذه درعي، وفي يدي يا أمير المؤمنين، وبيني وبينك قاضي المسلمين.فقال علي: أنصفت! فهلم إليه. فلما صارا عند شُرَيح القاضي في مجلس القضاء، قال شريح لعلي -رضي الله عنه-: لا ريب عندي في أنك صادق فيما تقوله يا أمير المؤمنين، ولكن لا بد لك من شاهدين. فقال عليّ: نعم مولاي قنبر وولدي الحسن يشهدان لي. فقال شريح: ولكن شهادة الابن لأبيه لا تجوز. فقال علي: يا سبحان الله! رجل من أهل الجنة لا تجوز شهادته، أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة”. فقال شريح: بلى يا أمير المؤمنين، غير أني لا أجيز شهادة الولد لوالده.عند ذلك التفت عليّ إلى الذمي، وقال: خذها، فليس عندي شاهد غيرهما. فقال الذمي: ولكني أشهد بأن الدرع درعك يا أمير المؤمنين. ثم أردف قائلاً: يا لله! أمير المؤمنين يقاضيني أمام قاضيه، وقاضيه يقضي لي عليه، أشهد إن الدين الذي يأمر بهذا لحقّ، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله.هذه قصة تحكي واقع القضاء الذي يجب أن يكون عليه، لكن إن نظرنا اليوم إلى الواقع في محاكمنا بمسمياتها المتعددة، في مناطقنا المحررة فسوف نرى الكثير من التجاوزات من بعض القضاة الذين “طلبوها وحرصوا عليها” لبريق المنصب وعلو قدره، فقد جعل النفوس الضعيفة تهفوا إليه لتحوز الشرف والمكانة في الدنيا، متغافلة عن عبء القيام بحقه وواجباته.يقول زيد: القضاء عندنا يطبق فقط على الضعفاء، أما الأقوياء فلا يطبق عليهم ويلوونه كما يشاؤون، وتغلب مصلحة الأفراد المنتفعين على حساب العامة الضعفاء!وعند لقائنا الشيخ مضر رضوان رئيس محكمة الأنصاري وعضو في مجلس القضاء الأعلى، واستفسارنا عن واقع القضاء شرع يقول:”منذ خمسة أشهر أُعلن عن تشكيل مجلس القضاء الأعلى الذي يضم تسع محاكم في حلب وريفها، وهذه المحاكم تتبع من الناحية الإدارية لمجلس القضاء، وقد اعتمد المجلس مجموعة من الورقيات وزعت على جميع المحاكم، لتوحيد الإجراءات في جميع المحاكم التابعة للقضاء الأعلى، وقد عملنا على استقلال القضاء بالكامل عن العسكر، واستقلال القضاء الشرعي بالذات عن تجمع فاستقم وكان ذلك في 1/11/ 2014 وقمنا بعمل مذكرات تفاهم مع الفصائل العسكرية الموجودة في المنطقة.نطبق القانون العربي الموحد، لأنه مستمَد من الشريعة الإسلامية ومصدَّق عليه من جامعة الدول العربية، وقد عمل عليه كثير من العلماء، فعدلوا بعض المواد التي تخالف الشريعة الإسلامية، فأصبح القانون العربي الموحد مطابقا بأحكامه ومواده للشريعة الإسلامية 100% تقريباً. وقد اعتمدنا في محاكمنا على القضاة حاملين الإجازة في الحقوق أو الشريعة ونشترط فيهم أن يكونوا خاضعين لدورة قضائية”.وعند قولنا للشيخ مضر إن القانون لا يطبق إلا على الضعيف. أجاب:”لا نرى أي صعوبة في تنفيذ الأحكام التي تصدر على المدنيين، لكن هناك صعوبة أحياناً في تنفيذها على بعض العسكريين، ولكن يجب على من يتكلم على القضاء أن يعلم أننا اليوم قضاة ومحاكم ضرورة، ولسنا أصحاب شوكة، وفي ظل هذا التفرق والتشرذم بين الفصائل العسكرية واختلاف المشارب وكثرة الأمراء حال دون تطبيق شرع الله على القوي، فكثير من المجرمين يحتمون بأمراء أو قادة فصائل.يوجد عندنا زراع تنفيذي للمحكمة وهو الشرطة القضائية التي تتبع إلى الشرطة الحرة وهي المسؤولة عن التحقيق والإحضار وتنفيذ الأحكام الصادرة، أما عن التجاوزات التي يمكن أن تصدر من بعض القضاة، فلا يجوز للقاضي أن يمارس سلطته القضائية خارج أوقات الدوام الرسمي، هذا ما نؤكد عليه دائماً وكل من يخالف هذا يفصل من عمله فورًا”.