بقلم اسماعيل المطيربعد أكثر من ثلاث سنوات على قيام الثورة المباركة في سورية كان لابد من تسليط الضوء على دور الإعلام في خدمة الثورة أو الإضرار بها على الصعيد الشعبي أولاً وعلى الصعيد الدولي ثانياً.لم يكن الإعلام في بداية الثورة على مستوى من الخبرة يكفي لإظهار صورتها الحقيقية بقدر ما هو وسيلة للفت الأنظار إلى الأحداث الجارية في سورية في ذلك الوقت , فقد اقتصر وقتها على مقاطع فيديو للمظاهرات السلمية تلتقط باستخدام أجهزة الهاتف المحمول ثم تبث على شبكة الإنترنت ,ليتم عرضها بعد ذلك عند بعض القنوات التي اتهمت بمساندة الثورة السورية .كان إعلام الثورة في البداية موجهاً لمختلف فئات الشعب السوري , محاولاً إثارة النخوة والحميّة عند من وقفوا على الحياد , موضحاً الصورة عند من تعاموا عنها .أحرج ذلك نظام الأسد و عرّاه تماماً أمام الشعب السوري ,فقابل النظام ذلك بالأكاذيب و الاتهامات يمنة و يسرة , وأصبح همه الأول و الأخير تكذيب من سماها “قنوات الفتنة “, مدعياً أن ما يظهر على شاشاتها هو مجرد ” فبركات ” تتم في مختبراتها تماماً كما في أفلام هوليود ,ولكن ذلك لم يقنع أحداً سوى ” المنحبكجية ” الذين هم في الأصل من ذوي الاستعداد المسبق لتقبل أية فكرة يطرحها النظام , فلو أنه ادعى أن لون اللبن أسود لصفقوا له إعجاباً باكتشافه العظيم .لم يتوقف الأمر عند إحراج النظام وحده , بل تعداه إلى إحراج المجتمع الدولي الذي لم يجد مبرراً حقيقياً للسكوت ” إعلامياً ” عن جرائم نظام الأسد , فطفت على السطح تصريحات وتنديدات و استهجانات لسلوك النظام البربري تجاه الشعب الأعزل .ومع تسارع وتيرة الأحداث في سورية وجد النظام مخرجاً من مأزقه أمام المجتمع الدولي من خلال عسكرة الثورة , بحيث بدأ بتسويقٍ لفكرة مضمونها أن الثورة في سورية هي من عمل الإسلام المتشدد المرتبط بالإرهاب على حد زعمه , الأمر الذي راق للدول الغربية فوجدت مخرجها هي الأخرى من مأزقها بسبب استعدادها المسبق لقبول الفكرة التي سوّقها النظام .لم يعد بمقدور إعلام الثورة بعد ذلك مجاراة إعلام النظام بسبب ضعف خبرته في التعامل مع المعطيات الجديدة كلياً عليه , فالمشكلة الحقيقية تكمن في أن إعلام الثورة مازال إعلاماً هاوياً جاء نتيجة الحاجة لا غير و بقي بعيداً عن فهم السياسة الإعلامية للنظام و حلفائه الروس و الإيرانيين , وذلك لعدة أسباب أذكر منها :1- عدم قدرة إعلام الثورة على توحيد الخطاب الإعلامي وبذلك بقي يعاني من التشتت .2- تعدد مصادر المادة الإعلامية نظراً لتعدد مراكز الإعلام وتبعية الكثير منها لقوى مقاتلة على اختلاف توجهاتها و سياساتها .3- انفصال إعلام الثورة في الداخل عن إعلامها في الخارج و هو ما ترك فجوة كبيرة يتحرك من خلالها إعلام النظام بحرية .4- الافتقار إلى صيغة إعلامية مؤثرة في الرأي العام بشكل كافٍ و هو ما أسمّيه ” ضعف التسويق الإعلامي ” إن صح التعبير .السبب الأخير برأيي من أهم الأسباب على الإطلاق , فالطرح و التسويق الإعلامي لأية فكرة أو مادّة إعلامية يجب أن يكون مدروساً بشكل كافٍ بحيث تطرح المادة بأسلوب بسيط لتصل إلى الشريحة المستهدفة بسهولة فتحقق الغاية المرجوَة منها .و كمثال على ذلك نذكر ما فعله صلاح الدين الأيوبي عندما بنى منبراً مماثلاً تماماً للمنبر الذي بناه نور الدين زنكي للجامع الأموي في حلب , وحمل المنبر الجديد معه خلال حربه مع الصليبيين .سوّق صلاح الدين بين المسلمين لفكرة بسيطة , وهي أن المنبر الآخر بني ليوضع في المسجد الأقصى بعد تحرير القدس , ذلك ما أحدث زخماً كبيراً للفكرة ورفع معنويا الناس بشكل عام و معنويات جيشه على وجه الخصوص , إلى أن تم تحرير القدس , ووضع المنبر في النهاية كما خطط له صلاح الدين .أما ما يطرح اليوم في إعلام الثورة من مواد إعلامية سواء كانت تصريحاتً أو أخباراً , فإن الكثير منها في الواقع بحاجة إلى دراسة كافية تضمن عدم تأثيرها السلبي على معنويات الثوار أولاً , وتضمن عدم التعثر أمام إعلام النظام ثانياً ,إذ أن إعلام النظام يترصّد عثرات إعلام الثورة ليرسم صورتها كما يشاء .فكلنا يذكر مقطعا نشر على الإنترنت و تناقلته وسائل الأنباء عن أحد المجاهدين وقد أخرج كبد أحد جنود النظام .أياً كان مصدر هذا المقطع أو حقيقته , فإن النظام استخدمه كسلاح ضد الثورة , فألبس الثورة ثوب الإرهاب و سوّق تلك الفكرة أمام المجتمع الدولي الذي لم يجد بداً من تصديقها .ومثل هذا المقطع الكثير من أشباهه , فتخيلوا أية خدمة قُدِّمت للنظام بنشر مثل هذه المقاطع ولو دون قصد .و من حيث الآلية فإن الكثير من الأخبار تعرض في غير وقتها المناسب , مما يفقدها القدرة على التأثير سواءً على النظام أو على الثوار أو على المجتمع الدولي .إضافة إلى ذلك فإن إعلام الثورة مازال يفتقد القدرة على المراوغة , مما كلف الثورة ثمناً باهظاً , لأن من أحسن استخدام الخطاب الإعلامي وفّر على نفسه الكثير من عناء القتال , وهذا ما لم نحققه حتى اليوم .ناهيك عن المتسلقين الذين اتخذوا من الإعلام مجرد مهنة لا يخلصون لها ,بحيث لم يعد من أولوياتهم صياغة الخبر أو الفكرة كما يجب , طالما أن جيوبهم مملوءة بالمال .ولا بدَّ لنا أيضا أن نذكر أمرا هاما أثَّر سلباً وبشكل كبير على العمل الإعلامي خلال الشهور القليلة الماضية،وهو الضغوط الكبيرة التي مارسها “تنظيم دولة العراق والشام” على الإعلاميين وخاصة في مدينة حلب من اختطاف واعتقال وتعذيب وما إلى ذلك،حتى أن الأمر وصل في بعض الحالات إلى الاغتيال أو التصفية في السجون ، مما دفع الكثير من الإعلاميين للفرار إلى تركيا خوفا من البطش.ولكن الغريب أن الكثيرين منهم لم يعودوا إلى عملهم بعد خروج التنظيم من المدينة، مما يترك مساحة كبيرة للتساؤل عن مدى إخلاصهم للعمل الإعلامي ويترك الباب مفتوحا على مصراعيه أمام اتهامهم بالتسلق على الثورة وعدم إيمانهم بمبادئها أصلا.كل تلك الأسباب جعلت إعلام الثورة يتراجع أمام إعلام النظام الذي بدا أكثر تماسكاً على الرغم من انكشاف خدعه و افتضاح أكاذيبه أمام الناس.و لكن في النهاية ينبغي أن نستفيد من تجاربنا و أخطائنا , وربما نشهد في المستقبل بعد ذلك تطورات تقلب الطاولة على النظام و إعلامه , فنكون بذلك خير عونٍ لثورتنا المباركة في طريقها إلى النصر بإذن الله تعالى.