بقلم علي المحمودتعتبر الولايات المتحدة الأمريكية والسعودية وقطر وتركيا الحلف الأقوى في الثورة السورية والمعارضة المسلحة، ولكن هذا الحلف لا يلتقي دائما في التوجهات والأهداف والتوصيات نتيجة لتضارب المصالح بين الأطراف، فما جمعه هو أنَّه يرى النظام السوري نظام وحشي وطائفي وقاتل، وبعضها يرى أنَّه لم يعد مؤهلا للحكم ويجب اجتثاثه بطريق سلمية أو عن طريق القوة والحل العسكري كما صرَّح وزير الخارجية السعودي الجبير غير مرة في أكثر من لقاء صحافي.وقد توضحت بعد خمس سنوات من الحرب والمعاناة أنَّ هذه الخلافات حول الأهداف أثرت كثيرا على مسار الثورة السورية، فعلى حين تتفق الأطراف العربية مع تركيا على تقدمة الحل العسكري نظرا لتعنت النظام واستمرار القتل والإرهاب، يأتي الموقف الأمريكي ليقدم الحل السياسي بعد أن التقى مع الروس في إعطاء الأولوية للحرب على الإرهاب المتمثل بتنظيم القاعدة والدولة الإسلامية (داعش) وبعض القوى المشكوك في توجهاتها ، ولذلك تغض أمريكا الطرف عن العدوان الروسي الذي يكلف روسيا اقتصاديا وينهكها عسكريا من جهة، وتضرب قوى الإرهاب من جهة أخرى.اقتنعت أمريكا أخيرا بالفرضية الروسية التي ترى أنَّ سقوط الأسد سيجعل من سورية بلدا يستقطب الجهاديين من جميع أنحاء العالم، وستتفكك أجهزة الدولة، وتعم الفوضى الأمنية، وسينتشر السلاح كما حصل في العراق بعد سقوط نظام الرئيس العراقي صدام حسين، فقد تحول العراق إلى بؤرة ينشط فيها الإرهاب بأريحية تامة، وفيه نشط تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين بقيادة أبي مصعب الزرقاوي، وفي العراق تشكلت نواة تنظيم الدولة الإسلامية الذي كان يحمل اسم دولة العراق الإسلامية بقيادة أبي عمر البغدادي.فما تخشاه واشنطن هو إنشاء كيانات (إرهابية سنية) جديدة قد تتفوق في عنفها وفتكها على تنظيم الدولة الإسلامية إلى درجة أن تتبرأ الأخيرة منها بسبب غلوها وانتهاجها منهج العنف، ربَّما تكون هذه الفكرة مضحكة بعض الشيء، ولكنَّها لا تدخل ضمن نطاق المستحيل خاصة وأنَّ القاعدة اليوم التي كانت بالأمس الهدف الأول لضربات الغرب تتبرأ من تنظيم الدولة.وبالعودة إلى الخلافات بين الحلفاء فإنَّنا نعتقد أنَّها لم تقتصر على علاقة دول مثل السعودية وتركيا وقطر بالولايات المتحدة، بل امتدت من المستوى السياسي لقوى الثورة والمعارضة إلى المستوى الميداني للمعارضة المسلحة العاملة على الأرض، ويعود ذلك إلى ارتباطها بتلك الدول التي ترسم تحركاتها بشكل عام. ويتضح هذا الانشطار بين القوى الإقليمية من خلال الموقف من التدخل الروسي، ففي حين تنفست أمريكا الصعداء عندما رأت من يتدخل ليعيد الكفة إلى التوازن، لم تسمح لدول مثل السعودية وتركيا بتسليح المعارضة المعتدلة بأسلحة نوعية ثقيلة ومضادات طيران تستطيع أن تواجه بها طيارات الروس، واكتفت بإعطاء الضوء الأخضر لأسلحة لا تسمن ولا تغني من جوع، ويعتبرها السوريون في هذه المرحلة الراهنة العصيبة على الثورة والشعب (من الجمل أذنه)، ولذلك تثير هذه السياسة في الدعم موجة من التساؤلات التي يصعب الإجابة عنها، فلماذا لا تقوم الدول التي تساند الثورة السورية بتزويد أسلحة مضادة للطيران إن كانت تصنف نفسها في الدول المعارضة للتدخل الروسي وأصدر علماؤها بيانات تحض السوريين على الجهاد في أرض الشام المقدسة؟! ولماذا تقدم أمريكا الأسلحة النوعية بسخاء للقوات الكردية وقوات (سوريا الديمقراطية) تلك التي شكلت أساسا لقتال تنظيم داعش وأعلنت أنَّ أهدافها بعيدة عن جيش الأسد في الوقت الراهن؟الجواب عند أمريكا يكمن في الريب والشكِّ الذي يدور حول بعض الفصائل الإسلامية التي تتعاون مع القاعدة، فعلا إنَّها ورقة رابحة في اليد الأمريكية تريح بها نفسها وتقنع بها الآخرين!