بقلم : عماد أبو اليمانيمكن رؤية الخضوع للمفاهيم الأوربية السياسية الحديثة، واعتبارها قيماً بحد ذاتها. وقراءةُ التاريخ على ضوئها بطرق مختلفة، نوعٌ من الخضوع لحال الهيمنة وتسلط القوي سياسياً على الضعيف، وتعبيرٌ عن حال خضوع الغالب للمغلوب.من ذلك، الخضوع لعلاقة هيمنة أوروبية أميركية في مجالات متعددة من أبرزها المجال السياسي، حال الإحباط من الوضع السياسي في العالم العربي، تؤدي إلى محاولة رفض التاريخ السياسي للعرب على مر قرون وإدانته كله، والخروج بأحكام أراها مجحفة في أحايين كبيرة، وجاءت عن طريق انحيازات هائلة.يتجلى الخضوع للهيمنة في مجال التنظير السياسي من خلال اعتبار المفاهيم السياسية الحديثة مرادة لذاتها، واعتبارها قيماً عليا يُتحاكَم إليها، لا طرق وأدوات سياسية يراد منها تحسين حياة البشر. فعكس هذه الرؤية محاولة تحسين حياة البشر وبحث عدل الدولة، بغض النظر عن الوسائل، فالمطلوب هو الوصول إلى قيم تجعل المجال السياسي مجالاً نافعاً للبشر. القيم التي يسعى إليها البشر في المجال السياسي هي العدل والمساواة والأمن، وقيم أخرى عليا يمكن بحثها في مجال الفلسفة السياسية، غير كون المغالطة خضوعاً لهيمنة الآخر.يُقرَأ التاريخ الإسلامي أو العربي على ضوء المفاهيم السياسية الحديثة، فلا يُبحَث عدل الوضع السياسي على سبيل المثال، بقدر ما يُشطَب هذا التاريخ بدعوى أنه لم يكن ديموقراطياً، أو لم يطبق معايير حقوق الإنسان، أو لا يتيح الحريات الفردية، فيتم طمس تراث كامل وتشويهه بسبب خضوع لهيمنة هذه المفاهيم الحديثة وسطوتها.المفاهيم السياسية ليست قيماً يُتحاكَم إليها، والتاريخ السياسي يُحكَم عليه وفق سياقاته، وإمكاناته الخاصة، لا وفق إسقاط أحكام الحاضر على الماضي، ما يجعل تلك التجارب التاريخية الإنسانية تراثاً مفيداً بالنسبة إلينا، فيعتبر أن العرب أو المسلمين وصلوا إلى هذه المفاهيم قبل اجتراحها في سياقات الحداثة، فعلى سبيل المثال، يحاول بعضهم أن يتأول الشورى في التاريخ الإسلامي على أنها النظام البرلماني، وسؤال الصحابي عبدالرحمن بن عوف لسكان المدينة عن أحقية علي بن أبي طالب أو عثمان بن عفان رضي الله عنهما للحكم، كممارسة لانتخابات ديموقراطية، ووثيقة المدينة التي كتبها الرسول عليه الصلاة والسلام لتنظيم علاقته مع يهود المدينة، على أنها الدستور الحديث للدولة، من هذه الإسقاطات التي تسيء إلى التاريخ، بمحاولة الحكم عليه بأثر رجعي، وإلى هذه المفاهيم ذاتها، لا علاقة لها بذلك العالم القديم.ينتج هذا السلوك كذلك من تجاهل تاريخ هذه المفاهيم ذاتها، التي مرت بمراحل تحولات وتغيرات هائلة، فيتم اختزال دلالتها في ظواهرها، وتجاهُل كونها شبكة مفاهيم ومجالات متداخلة لا مجرد ممارسات بسيطة، هذه المفاهيم موجودة لدينا منذ القدم، وليس علينا إلا إعادة الأخذ بها، وهذه هي المغالطة التي أعنيها، التنبه إلى حالات الهيمنة والوقوع تحت سطوة الآخر مهمة، من أجل ألا نكتشف في نهاية المطاف أن تصرفاتنا ليست نتاج إرادتنا، وإنما هي تجلٍّ لتمثل الآخر ومحاكاته، والوقوع تحت هيمنته.الخاضع لسلطة ثقافية أو علمية أو سياسية تجرد عن استقلاله من دون دراية منه، فلا يستطيع كشف أوهام ما يتسلط عليه، وهو ما يجعله أداة ووسيلة، لا غاية في حد ذاته، فيأخذ علينا بعض الملحدين الذين لا يؤمنون برسالة الاسلام أننا ما نزال نعيش في عصر السيف والرمح والخيل، وهم يرون أن ما يصلح في هذه العهود السحيقة، لا يصلح الآن. وهذا طبيعي أن يصدر منهم، ولكن الأشد إيلاماً أن بعض الإسلاميين يرددون هذا الكلام، أو يتّبعونه عملياً، ولا يرون اتباع نهج رسول الله في تعامله مع القوى العظمى.ولقد رأينا أن القتال في تلك العصور لم يكن سهلا، فالتمويل أهم عقبة، والدول العظمى تتميز بالتمويل الأسهل والأكبر، كما أن المسألة ليست مجرد جمع خيول ولكن فرسان مدربون، والمقاتل يحتاج لتمويل وإعاشة وتدريب وتفرغ، وكذلك فهناك صناعة معدنية للدروع للمقاتل والمركبة وللسهام والسيوف والرماح، بل عرفت الجيوش سلاح الصواريخ والمدفعية “المجانيق”، وقد لجأ إليها رسول الله في غزوة الطائف، فلو كانت المسألة مسألة خيول، وإن كانت بدورها تحتاج لتربية وتدريب، وأمور سهلة فلماذا كانت جيوش الدول الكبرى مفزعة للدول الأصغر؟ مسألة توازن القوى مسألة قديمة ونسبية، بل عرفنا في التاريخ الصواريخ اليونانية ” النارية “، وكانت المركبة الحربية ذات العجلات نقلة مهمة في العمل العسكري في بلاد الرافدين و مصر القديمة، وكل آلة أو أداة تتطلب حديدا أي استخراج وصهر وصب ومهارة في ذلك، وفى إطار مشروعنا الإسلامي نحن لدينا مكون استراتيجي أساسي ومرجح، أننا أصحاب رسالة، ودعاة عدالة لا استعمار ولا تسلط، ورسالتنا تنتشر وتكسب البشر، وهذه أهم قوة لا يملكها الخصم، كما أننا نعمل في سبيل الله فخشيتنا للموت أقل بكثير من الخصم، واستعدادانا للتضحية أكبر، واستعدادنا لتحمل المكاره أكبر، و أننا نحارب على أرضنا لاسترجاع حقوقنا التي سرقت منا.