ربما لا يصح هنا لفظ اغتيال؛ لأنه لم يحدث على حين غفلة أو بعملية سرية محكمة كما وصفتها الولايات المتحدة، لكننا نستخدم الوصف الظاهري إلى جانب المهمة الحقيقية في هذا العنوان.
تم إنهاء دور البغدادي وظيفياً، كما تمّ إنهاء دور بن لادن من قبل، ليس مهماً هنا نقاش إن كان قُتل حقيقة أم أنه الآن يعاقر النساء والويسكي في نيويورك أو على شواطئ ميامي، المهم أن العملية انتهت في وتمت إحالة البغدادي للتقاعد بطريقة ما.
الأكيد جداً أنه لا يوجد أحد بالسذاجة الكافية ليصدق مسرحية داعش من البداية وحتى المشهد الأخير بعيداً عن أجهزة المخابرات المختلفة حتى لا نتهم الولايات المتحدة وحدها، باستثناء القلة من اتباعها، أما الباقون فتجمعهم مع داعش المصلحة أو المصالح المتنوعة، كلٌ بحسب أهوائه أو المهمة التي يقوم بها داخل هذا التنظيم.
الجميع مضطر لأن يصدق الولايات المتحدة في رواياتها، فحتى لو لم تكن حقيقية لكن نتائجها هي ما سيرتب الخطوات اللاحقة، لذلك لا أحد يقول للولايات المتحدة: أين الدليل، بل الجميع يسألون ما هي الخطوة القادمة.
لماذا في إدلب وفي قرية باريشا، ولماذا في هذا الوقت تحديداً؟ عدّة أسئلة تُثار في هذه الأيام فيما يخص الخطوات القادمة، وهل تم إنهاء دور التنظيم، أم إنهاء دور قائده فقط الذي يمثل مرحلة سابقة من أجل إعادة إطلاق مرحلة جديدة يجب أن يبرز لها قائد جديد؟
أعتقد أن الإجابة على هذه الأسئلة لن يكون سهلاً، لكن ربما تكون بعض التصورات مفيدة في هذا الصدد، المكسب الأول والبدهي جداً يتعلق بترامب والإنجاز الذي سيستثمره ليغطي على مشكلاته الكثيرة وربما ينجح باستثماره في الانتخابات القادمة، أعتقد أيضاً أن إعادة إشعال حرب جديدة بين الجولاني وداعش في هذه المنطقة تمكن من استهدافهما معاً وتزيد الضغط تجاه اعتبار أن هذه المنطقة مليئة جداً بالإرهاب له دلالته في إعلان مقتل البغدادي بها.
إعادة إحياء داعش الأمر الذي تدندن له وسائل الإعلام منذ فترة يحتاج أميرًا جديدًا، وتكتيكًا جديدًا، وحشدًا في بيئة مليئة بجنود القاعدة من أجل الثأر للخليفة، وهذا مؤشر مهم على أنّ هذا التنظيم المخابراتي قرر نقل عملياته بشكل رسمي ونهائي إلى سورية، وسيخرج من العراق في هذه الفترة تحت ضغوطات المخابرات الإيرانية التي تريد أن تحاربه كتنظيم خارجي، وتستغل وجود مركزيته في سورية لتضمن وجود أفضل لها في هذه المنطقة.
ولا يخفى ضرورة لخبطة الأمور في هذا التوقيت الذي يشهد تحركاً تركياً في الشمال لم تكن أمريكا راضية عنه مطلقاً، ولا بدّ من افتعال حروب جانبية تسمح بإعادة ترتيب المشهد بحسب الأجندة الأمريكية، بالإضافة إلى إعادة استعمال داعش في وأد التحركات الشعبية الجديدة في المنطقة سواء في لبنان أو حتى في العراق، ولكن بعيداً عن المركزي هناك.
والأيام المقبلة كفيلة في جعل الأمور تتكشف بشكل أوضح.
المدير العام | أحمد وديع العبسي