بقلم رئيس التحريرتتميّز العلاقات السياسية والعسكرية بين روسية وتركية بالسخونة التي تصل إلى درجة الغليان منذ القديم، وتزداد التوترات بين البلدين بحسب مراجل الأحداث المتقلّبة، وهذه العلاقات الحساسة تعود إلى عهد الخلافة العثمانية، فقد ظلَّت روسية حجرة عثرة أمام طريق العثمانيين وخاض الفريقان الكثير من المعارك التي ما زالت راسخة في ذاكرة البلدين، ويبدو أنّنا نشهدُ صراعاتٍ جديدةً بعد حادثة إسقاط الأتراك طائرةً روسية على شريط الحدود السورية التركية في تشرين الثاني.لا بدَّ من حضور هذا النّزاع التاريخي في أذهاننا أثناء قراءتنا للمشهد الذي يسير بسرعة نحو التأزم، والذي يمكن أن يشعل شرارة الحرب الجديدة في المنطقة.إنَّ التوجّس والقلق من الوجود الروسي (العدوّ القديم) على مقربة من الحدود التركية دفع الأتراك إلى فتح نيرانهم على الطائرة الروسيّة، وربما تتطور المجابهات بين البلدين خاصة بعد الاستفزازات التي يقوم بها الجانب الروسي، فقد أجبرت سفينة حربية روسية سفينةً تجارية ترفع العلم التركي على تغيير مسارها، وأطلقت مدمّرة روسية أعيرة تحذيرية باتجاه سفينة تركية في بحر (إيجة)، وقامت موسكو باستدعاء الملحق العسكري التركي بسبب الحادثة، كل هذه الخطوات الاستفزازية جعلت وزير الخارجية التركي (مولود جاويش أوغلو) يخرج عن طوره ليعلن أن لصبر تركية حدودًا بعد أن بالغت موسكو في ردّة فعلها.وإضافة إلى العداء التاريخي يأتي الخلاف الحالي الذي سببته تضارب السياسات حول الثورة السورية، ففي حين تصر موسكو على التمسك بالأسد وتدعمه سياسيًّا وعسكريًّا نظرًا للمصالح التي تربطها به، تطرح أنقرة سياسة مناقضة تمامًا لسياسة الروس، فهي تؤكد حق الشعب السوري بالحرية والعيش الكريم وضرورة التخلص من نظام الأسد الدموي. إنَّ هذا الصدام السياسي أدى في نهاية المطاف إلى التصادم العسكري.صحيح أنَّ الطائرة الروسية غير المأسوف عليها قد دخلت الأجواء التركية، ولكن دخولها لم يكن سبب إسقاطها بالدرجة الأولى، يكمن السبب في أن الطائرة الروسية تقصف مواقع للثوار الذين تدعمهم أنقرة ويكمن في اختلاف البلدين في التعاطي مع الملف السوري كما أشرنا، فالطائرات التركية تخترق الأجواء اليونانية والطائرات اليونانية تخترق الأجواء التركية، ولم يسبق أن سُجِّلت حادثات اشتباك بين الطرفين.ونستطيع أن نقرأ عمل أنقرة العسكري على أنه خطوة قوية تؤكد من خلالها ثقلها الإقليمي ودورها الذي لا يمكن أن تتخلى عنه في الثورة السورية، وترسل رسالة مفادها أنها لاعب أساسي يمتلك قوة عسكرية تجابه أي قوة مهما كانت كبيرة.ويبقى السؤال الأكثر أهمية في معرض هذا الحديث ما هي الخطوات التي يمكن أن تقوم بها أنقرة في حال تصاعد التوتر بين البلدين؟ هل ستحرك الشيشان ووكلاءها في القوقاز لشن عمليات انتقامية من روسية؟هذا ما ستجيب عنه تطورات الأحداث القادمة.