غسان الجمعة |
من جديد ظهر رأس النظام السوري على قنوات الإعلام، وهذه المرة كانت روسية عقب شن حملة توبيخ من عدة وكالات قريبة من دوائر صنع القرار في موسكو ذكرته بحجمه ودوره في سورية عقب تصريحاته لوسائل إعلام محلية الأسبوع الماضي حملت في طياتها انزعاجًا وتحديًا للمسار الروسي في سورية.
اللقاء جرى في دمشق مع قناة روسيا24 وسيفودنيا الروسية، وتناول من بدايته الوضع في شرق الفرات، حيث أعطى الصحفيان فسحة للأسد لتصحيح ما أفسدته تصريحاته السابقة بخصوص محوري شرق الفرات (اتفاق سوتشي) واللجنة الدستورية التي تعقد اجتماعاتها في جنيف.
فقد اضطر الأسد للإقرار باتفاق سوتشي الخاص بالمنطقة الآمنة علانية رغم وصفه للاتفاق سابقاً بأنه مؤقت يهدف للجم (العدوان التركي) ولم ينسَ إسداء الإطراء للكرملين الذي اعتبره عنصر قبوله الرئيس بالاتفاق كونه الطرف الثاني في التفاهم مع أنقرة.
ورغم مناقضته لنفسه في مواطن عديدة بخصوص نظرته للمنطقة الآمنة وعن عدم إمكانية إعادة المهجرين إليها لأنهم سيصطدمون بأصحاب القرى والبلدات على حد زعمه، تناسى الأسد أسباب تهجير هذا الكم من السوريين، ولم يسأل نفسه لماذا لا يعودون إلى بيوتهم الذين تقع تحت سيطرته!
مشكلة الأسد في شرق الفرات هي ليست ميليشيات كردية أو غزواً تركيًا أو كما ادعى رغبة بعض المجموعات المحسوبة على الأمريكان طرح فيدرالية في شرق الفرات، بل إن الأسد سابقاً كان طرفاً في لعبة الصراع والنفوذ على الساحة السورية، وقد دعمت روسيا سلطاته العسكرية بشكل مكنه من استعادة سيطرته على مناطق شاسعة وحمته سياسياً و عسكرياً وحتى اقتصادياً، لدرجة وصلت بها موسكو إلى طريق مسدود فرض عليها أن تكون أكثر ديناميكية في التعامل مع الملف السوري، وهو ما دفعها لدعم عملية نبع السلام التي تنفذها تركيا، بالإضافة إلى تنسيقها مع التحركات الأمريكية بشكل لا يسفر عن أي صدام، حيث إنها لم تجد طائلاً من تلميع الأسد دولياً في ظل إحجام غربي عن دفع أموال الإعمار واستمرار العقوبات على رموز النظام و عصاباته.
لذلك بات رأس النظام يدرك أنه ربما يكون شخصياً مادة للتفاهم الدولي في ظل نجاح الدبلوماسية التركية الداعمة للمعارضة من تقريب وجهات النظر وإمكانية التنسيق بين القطبين في شرق الفرات.
من جانب آخر استبدل الأسد في حديثه عن اللجنة الدستورية مصطلح (الوفد الذي تدعمه الحكومة السورية) إلى (الطرف الذي يمثل الحكومة السورية) وذلك بعدما انتقدت وكالة تاس الروسية تصريحات الأسد السابقة حولها واتهمته بأنه يريد إبطاء عمل اللجنة الدستورية؛ لأنه لا يرغب في الوقوف أمام استحقاق الانتخابات، في حين حاول الطعن بعملها من الخاصرة التركية، حيث اعتبر ما أسماه الطرف الثالث مُعيَّن من قبل تركيا، غير أنه لم يضع خطوطاً حمراء سأله عنها الصحفي حول عمل اللجنة رغم تشكيكه بمخرجاتها.
مفصل شرق الفرات الذي يدفع الدول الفاعلة في الملف السوري للتقارب هو في الحقيقة يضيق الخناق على رأس النظام السوري وجدية موسكو في عمل اللجنة الدستورية ربما تدفع بها مستقبلاً للحديث عن الأسد كتفصيل صغير أمام مدى ضمان مصالحها في الدستور الجديد، ولذلك سيسعى الأسد بشكل مستمر لخلط الأوراق وخلق ظروف الصدام.