بقلم رئيس التحريرأعلنت وكالة الأنباء السعودية الثلاثاء 15-12-2015 قرار تشكيل تحالف عسكري مكوّن من 34 دولة لمكافحة الإرهاب تقوده المملكة العربية السعودية ومقرّه الرياض التي سيتم فيها تشكيل مركز عمليات مشتركة لتنسيق ودعم العمليات العسكرية وتطوير البرامج والآليات اللازمة.هذا التحالف الثاني الذي تعلنه الرياض قبل أن يُحرز التحالف العربي الأول انتصارات ملموسة في اليمن، وقد جاء بلا تمهيدات عربية تسبقه، ولذلك فاجأ كثيرا من المحللين والمراقبين، حتى إنَّ لبنان- وهو من الدول التي وُضع اسمها في قائمة التحالف- عبَّر عن مفاجأته على لسان وزير خارجيته إذ قال: ” لم نكن على علم لا من بعيد ولا من قريب بموضوع إنشاء تحالف إسلامي لمكافحة الإرهاب!”. هذه الكلمات ربما تقدِّم لنا تلخيصًا عن كيفية عقد التحالفات العربية التي تُرسم خطوطها وتُحَدَّد طُرُقُها خارج بلاد العرب فلا يدري بها (هابوب) أو(دابوب) العربيين!يدخل التحالف العربي الجديد ضمن المخطط العسكري الذي تعمل عليها إدارة (أوباما) الذي يعتمد على إشراك الحلفاء بالحرب المباشرة ليتلقوا الصدمة الأكبر والفاتورة العظمى، مستفيدًا بذلك من تجارب العراق السابقة، ولذلك جرى التمهيد لهذا التحالف من قبل الساسة الأمريكيين الذين أكدوا ضرورة إيجاد قوة عسكرية متعددة الأطراف تعمل على الأرض بالتنسيق مع طائرات التحالف الغربي، وقد طرح (جون ماكين) في تشرين الثاني من هذا العام مشروع قوة مؤلفة من مئة ألف جندي مسلم لقتال الدولة الإسلامية، وكذلك لمَّح (جون بولتون) سفير أمريكا الأسبق في الأمم المتحدة إلى مقدمات تشكيل دولة سنية بالتعاون مع حلفاء أمريكا لتكون بديلة عن الدولة الإسلامية، على أن تمول السعودية المشروع إضافة إلى دول خليجية أخرى.ما يهمنا هنا هو استشراف تداعيات هذا التحالف على السعودية بشكل خاص وعلى بعض الدول المشاركة بشكل عام، مع العلم أن أكثر الدول المشاركة قد وُضع اسمها (كمالة عدد)، ولا تستطيع أن تدير مخفر شرطة فضلا عن أن تكافح الإرهاب، ولذلك فإن دورها كدور الكومبارس الخشبي في المسلسلات المملة.أبرز ما يمكن أن تحصده السعودية وقطر وتركية هو التقدم السياسي ونفي تهمة الإرهاب التي تكررت في الآونة الأخيرة خاصة من الطرف الروسي الذي وصل به الأمر إلى التهديد العسكري للمثلث التركي السعودي القطري بحسب برافدا الروسية. وهذا التقدم أكده المتحدث باسم الرئاسة الروسية الذي اعتبر التحالف الجديد خطوة إيجابية.ومع ذلك تبقى هذه الخطوة التي وافقت عليها الرياض وتزعمتها متسرعة وغير مدروسة، وستضعها في مواقف صعبة في الأيام القادمة وستطرح عليها جملة من التساؤلات والإشكاليات التي يصعب على هيئة كبار العلماء حلها. وقد لوحظ التخوف من هذه التساؤلات في المؤتمر الذي أجراه الأمير محمد بن سلمان، حيث استبعد من المؤتمر الإعلاميين غير السعوديين الذين يمكن أن يستفسروا عن مفهوم الإرهاب في نظر التحالف، وهل سيعدون الأسد والميليشيات الشيعية في العراق ولبنان من التنظيمات الإرهابية؟ وهل هناك إمكانية أن يخرج الأسد ويبارك الحلف ويطالب بالانضمام إليه؟ وكيف يمكن أن يشارك نظام الانقلاب المصري في تحالف تشارك فيه قطر الدولة التي اتُّهم الرئيس محمد مرسي بالتخابر لصالحها؟ وكيف ينظر التحالف إلى الإرهاب الإسرائيلي في الأراضي المحتلة؟يبدو أن الأمير لا يحب مثل هذه الأسئلة المحرجة، فاقتصر على الإعلاميين أبناء البلد الذين يجيدون العزف على الطبلة!لا شك أن العقبة المقبلة ستكون اقتصادية، لأن التكلفة ليست قليلة، وأكثر الدول المشاركة لا تستطيع أن تدفع ريالا واحدًا، كلّ هذا والتحالف العربي لم ينته من اليمن، وأسعار براميل النفط لا تبشر بخير، والاقتصاد الخليجي يسير نحو العجز وسيجبر دوله على رفع الدعم عن الكهرباء والمحروقات.وتبقى التهديدات الكبرى لدول التحالف هي زيادة نشاطات القاعدة والدولة الإسلامية التي يمكن أن تحظى بتأييدات وبيعات جديدة، خاصة إن علمت الشعوب المقهورة أن التحالف لن يمس الأسد والعصابات الشيعية المقاتلة والعدو الإسرائيلي بأذى. يبدو أن الأيام القادمة مليئة بالفاجآت الصادمة!