غسان الجمعة |
عقب تصريحات وزير الخارجية التركي (مولود جاويش أوغلو) أمام البرلمان فيما يخص إمكانية استئناف تركيا لعملية نبع السلام بسبب عدم قيام الولايات المتحدة وروسيا بالوفاء بتعهداتهما شرقي الفرات، أعلن وزير الخارجية الروسي بأن أنقرة لن تستأنف عملية نبع السلام في تطمينات نقلتها للسفير الروسي بأنقرة، بل أكدت أن تركيا لا تشكك بالجهود الروسية التي تبذلها في إطار اتفاق سوتشي.
عملية نبع السلام التي نفذتها تركيا بتنسيق كامل مع روسيا بعد توقيع الجانبين لاتفاقية سوتشي، كانت محصلة تفاهم وتناغم بين الطرفين لفرض واقع جديد في منطقة النفوذ الغربي، حيث التقت مصالحهما في مواجهة النفوذ الأمريكي الذي ترى فيه تركيا تهديداً لأمنها من خلال المظلة الأمريكية لقسد، وكذلك روسيا التي تريد السيطرة على منابع النفط لتُقاسم بها الأسد من باب تسديد فاتورة دعمها له.
جاء الانسحاب الأمريكي في سياق الصراع على النفوذ لإفساح المجال أمام الخطوة الروسية التركية في تراجع يحقق مكاسب آنية لكلا الطرفين يشوبه القصور ويضع الحليفين المتنافسين في مواجهة مباشرة تُمكن الولايات المتحدة من البقاء بعيداً عن ملعب المواجهة مع استمرار تأثيرها في المنطقة من خلال قسد، وهو ما حقق رغبة ترامب في الحفاظ على البقاء المثمر الذي عبَّر عنه بحماية حقول النفط من “داعش” وفي الوقت نفسه تجنب الصدام مع صقور الإدارة الأمريكية الرافضين للانسحاب لصالح التنسيق الروسي التركي، حيث يعتبر هذا الجناح الانكفاء الكامل من سورية انتصاراً روسيًا في حلقة صراعها مع الولايات المتحدة على كسب تركيا كحليف إستراتيجي.
لقد تعمدت الولايات المتحدة في لعبتها شرق الفرات أن يكون الحصاد الروسي أكبر من التركي الذي تحمل أعباء العملية من خلال سماحها لقسد من التنسيق مع الروس في مسرح العمليات التركي، بل إن واشنطن تغاضت عن خروج الأسد من قوقعته في القامشلي والتمدد في قنوات المواجهة مع تركيا، حيث التقت المصالح الروسية الأمريكية بشكل غير مباشر على الطاولة السورية.
فروسيا لم تصطدم مع قسد عدو تركيا إحدى طرفي اتفاق سوتشي ، بل تعاملت مع المخاوف التركية من باب تحقيق المطالب بعيداً عمَّا تكسبه موسكو من نتائج أخذت في تحقيقها مراعاة مصالحها ومصالح حلفائها في مواجهة الولايات المتحدة التي تسعى لدق إسفين الخلاف بين روسيا وتركيا، حيث تتعامل موسكو في ملف شرق الفرات بالحد الأدنى الذي توفره واشنطن من فرص الصدام بحذر وتنسيق مع تركيا.
إن مسلسل انتهاز الفرص الذي يلعبه ثلاثي شرق الفرات (تركيا، روسيا، الولايات المتحدة) بلغ ذروته في تحقيق المكاسب وتجنب الصدام، فليس مناسباً لتركيا استبدال المظلة الأمريكية في حماية ميليشيا قسد الإرهابية بمظلة موسكو وهو ما باتت أنقرة تلمح له، وكذلك الروس الذين أملوا بانسحاب أمريكي كامل يمكنهم من النفط والغاز السوري، إذ إن بقائهم ضمن هذه الظروف القائمة يحولهم لقوات فصل بين تركيا من جهة وقسد وحلفائها من جهة أخرى دون تحقيق مكاسب فعلية، وهو ما يعني أنهم وقعوا في فخ خدمة المشروع الأمريكي.
ومن جانب آخر ليست الولايات المتحدة بظرف أفضل في ظل استمرار تضيق الخناق على وجودها سياسياً وعسكرياً لا سيما أن جهود اللاعبين الآخرين تتوحد في مواجهتها رغم تنافسهم، حيث إن تراجعها المحسوب لم يحقق ما تأمله وهو ما لن تكرره ممَّا يعزز فرصة العودة للمربع الأول بحدة أكبر وبأوراق مكشوفة قد تخلق فرص صدام إقليمي ودولي على الساحة السورية.