دعاء عبد الله |
يفرض غياب المعتقل على زوجته أن تعيش في حيرة حيال مصيره، فإما الموت الذي يكون الاحتمال الأكبر لمن يدخل هذه السجون، أو الانتظار سنوات وسنوات على أمل العودة.
ولهذين الخيارين تأثير مباشر على زوجة المعتقل التي ستخوض معركة اجتماعية واقتصادية وتربوية تكون فيها الأم والأب لأطفالها الذين أصبحوا أيتاماً فجأة.
وعلى الصعيد النفسي تبقى المرأة في حيرة دائمة، هل تؤمن بموت الشريك وتتابع حياتها من دونه؟ أم تبقى على أمل العودة فتبقى سجينة الحب والشوق؟
صحيفة حبر التقت مجموعة من زوجات المعتقلين واستمعت إلى معاناتهم وقصصهم.
(صفية محمد) من ريف حلب الغربي (30 عاماً) تروي لحبر عن اعتقال زوجها فتقول: “اعتقلوا زوجي من خمس سنوات عند حاجز قرطبة عندما كان ذاهباً إلى عمله الاعتيادي في مدينة حلب، حاولنا أن نسأل عنه لكن دون جدوى.”
وتصف صفية معاناتها لفقد زوجها بقولها: “أعاني من مسؤولية تربية الأولاد، فهم همي الأول الذي نذرت حياتي لأجله، بالإضافة إلى ضعف الحالة المعيشية نتيجة ضعف الإعانات المقدمة من المنظمات، كما أنني أعيش في غرفة واحدة مع أهل زوجي لعدم قدرتي على الذهاب إلى منزلي في مدينة حلب الخاضعة لسيطرة النظام السوري.”
وأشارت صفية إلى أن المعاناة النفسية هي أصعب أنواع المعاناة، فهي في حيرة دائمة حول مصير زوجها، لكنها أكدت أنه مهما كان مصيره فإنها لن تتخلى عن أولادها، ولن تتزوج لحبها الكبير لزوجها ولعدم حرمان أطفالها منها أيضًا، متمنية طرق زوجها الباب عليهم ذات يوم.
أما (فاتن خليل) من ريف إدلب الشمالي (45 عاماً) فتقول: “يوم اعتقال زوجي لا يفارق ذاكرتي، إنه يوم السادس من شهر آب عام 2016، اعتقله النظام رغم أنه كبير بالسن، وهو موظف متقاعد، حاولت أن أستفسر عن سبب اعتقاله لكني لم أحصّل أي معلومات.”
فاتن ربة منزل، وغياب زوجها دفعها إلى تعلم مهنة الخياطة كي تتمكن من تأمين حياة كريمة لها ولأولادها، إلا أن معاناتها كانت مضاعفة لعدم تلقي أي دعم من أهل زوجها، وفوق ذلك استهزؤوا بعملها، بحسب فاتن.
وعن حبها لزوجها تقول: “لم أتزوج لأن ما بيني وبين زوجي أكثر من مجرد حب، وحتى لو كان ميتاً فإن حبي له لن يموت وكلي أمل بأن يعود وينير لنا المنزل.”
أما (أم خالد) اسم مستعار تقول: “إن زوجي اعتقل في مطلع الشهر الخامس في عام 2012 ولا نعرف تهمته، ووصلتنا إشاعات كثيرة تؤكد موته وأخرى تؤكد أنه ما يزال على قيد الحياة.
ورغم أنني خاطرت بنفسي وذهبت إلى دمشق كي أسأل عنه، لكنني عدت خائبة لطلب أحد ضباط النظام مولدة كهربائية رشوة، لكنني لم أستطع تأمين المال.”
وتقول أم خالد: “لقد عانيت كثيراً لأنني لا أحمل شهادة علمية، فاضطررت أن أعمل ببيع الملابس في منزلي كي أعيل أبنائي الأربعة الصغار، كما عانيت من كلام الناس وتحريضهم لي كي أتزوج لأعيل أسرتي، ولأنني كما يقولون صبية ومن غير المعقول أن أعيش وحيدة مع أولادي، لكنني عقدت العزم أن أغير هذه النظرة في عيون الناس، وبالفعل هذا ما حصل فبعد أكثر من 7 سنوات على اعتقال زوجي تمكنت من تدريس أبنائي وتزويجهم وتوفير حياة كريمة لهم من خلال عملي البسيط الذي تطور شيئاً فشيئاً.”
كما أشارت أم خالد في نهاية حديثها إلى أن خوفها على أبنائها وحبها لهم وأملها بعودة زوجها الذي تربطه بها (عشرة عمر)، منعها من التفكير بالزواج أو الابتعاد عن أبنائها وتركهم لبيت جدهم.
وكانت الشبكة السورية لحقوق الإنسان قد أكدت أن 13 ألفًا و983 شخصاً قُتِلوا جراء التَّعذيب في سجون النظام السوري منذ انطلاق الثورة السورية في آذار 2011، مشيرةً إلى أن نحو 128 ألفًا لا يزالون قيد الاعتقال التعسفي في سجونه التي تفتقر لأدنى المقومات الإنسانية بالإضافة إلى أساليب التعذيب التي تصنف الأسوأ عالمياً.