ضغوطات العمل كبيرة من حولنا، تستهلكنا بشكل كامل حتى تكاد تُظهرنا منهكين في غالب الأوقات، لكن هل هذا صحيح دائماً؟
بشكل عام الأشخاص الذين يعملون أكثر من ثماني ساعات يومياً يُعتبرون فئة قليلة بالمقارنة مع غيرهم، وغالبية الدول العربية لا تُصنف من الدول التي يعمل شعوبها لساعات طويلة، مع ملاحظة أن كثير من المهن الحرة التي لا تدخل الجانب الوظيفي الرسمي خارج التصنيف.
تعتبر تركيا التي يعيش فيها اليوم الكثير من السوريين والعرب من أكثر 10 دول في العالم بالنسبة إلى ساعات العمل، ورغم أنها أرخص الدول مقارنة بمحيطها الإقليمي، لكنها مع ذلك تعتبر غالية جداً مقارنة بالأجور الممنوحة للعاملين، مما يسبب ضغطاً نفسيا كبيراً في سوق العمل وانعكاسات انفعالية (عصبية) ربما نلاحظها بوضوح على الأتراك وعلى أنفسنا بعد دخولنا دوامة العمل في هذا البلد.
يعتبر الضغط الناتج عن عدم كفاية الأجور وعن الإرهاق في العمل أكثر ما يسبب الإحباط العام ويقتل الإبداع والرغبة في الحياة حتى، وقد يصل في بعض الأحيان للانتحار، أو قد تتسبب الضغوط النفسية والعصبية للإرهاق في العمل بموت مفاجئ نتيجة النوبات العصبية والقلبية.
لكن المشكلة أن الأمر لا يكون متعلقًا دائمًا بعدد ساعات طويلة للعمل، أو عدم كفاية الأجور فقط، وإنما يمتد ليشمل الوقوع في (التوهم الوظيفي) وهو شعور دائم بالضغط بسبب عدم الرضا عن المنتَج، أو ممارسة ضغط إداري كبير من المديرين تجاه الموظفين دون تقدير كافٍ وتحفيز مستمر لهم.
وأحيانًا يكون بسبب التذمر المستمر من النتائج والمطالبة بالتطور بشكل فجّ، وإيكال مهمات هي أصلاً خارج خبرات الموظف ليتعلم منها بطريقة قاسية أكثر منها بطريقة مساندة، وبث شعور دائم لدى الموظفين من بعض المديرين بأن الطريق طويل للوصول إلى الأهداف، وأنهم ما زالوا يرزحون تحت وطأة الخطوات الأولى، مما يؤدي إلى شعور بالإنهاك المستمر، رغم ساعات العمل المعتدلة، لكنها تذهب بأثرها النفسي لساعات طويلة بعد الذهاب إلى المنزل.
أعتقد أن التعامل مع الموظف أو العمل بحد ذاته بعيداً عن عقلية الصراع والمواجهة، ومحاولة الوصل إلى نتائج متناسبة مع المدخلات ربما تستطيع بعث النشاط الدائم وتحقيق الأهداف بعيداً عن المحاربة الدائمة والإرهاق المستمر.
المدير العام | أحمد وديع العبسي