عبد الحميد حاج محمد |
في موقع إستراتيجي مميز تقع مدينة كفرنبل جنوبي إدلب، وتشكل صلة الوصل بين ريف حماة الشمالي وإدلب الجنوبي وخلال الثورة تعتبر من أولى مدن الشمال الثائرة لتي هتفت بإسقاط النظام في أولى مظاهراتها.
ستة أشهر كانت كفيلة لتحويلها إلى مدينة أشباح كما يخبرنا (عبيدة دندوش) ناشط مدني من كفرنبل، يقول مع تنهيدة: “مدينة الثورة اليوم لم تعد كما كانت، تحولت إلى مدينة الظلام أي حركة داخل أحد الأحياء يتم تدمير الحي بسبب كثافة طيران الاستطلاع.”
يبدو أن لافتات كفرنبل أوجعت نظام الأسد ليحقد كل هذا الحقد على مهندسي تلك اللافتات والعبارات التي وصفها دندوش أنها “كانت توصل صدى صوتنا ورسالتنا إلى العالم من أوروبا إلى العرب”
أما عن حصيلة ما خلفته هذه الحملة العنيفة على مدينة كفرنبل، حدثنا (عبيدة العثمان) مدير مركز الدفاع المدني في المدينة: “وثقت فرقنا بالصور دمار حي كامل في المدينة بفعل البراميل والغارات الجوية والروسية، وبلغ عدد الشهداء 55 مدنيًا بينهم ستة عشر طفلاً وستة نساء وأصيب 159 شخصًا بينهم 25 طفلاً و28 امرأة وذلك من تاريخ السادس والعشرين في الشهر الرابع من عام 2019 وحتى يومنا هذا.”
ويتابع: “تعرضت المدينة لأكثر من 527 غارة جوية تحمل 2571 صاروخًا و831 قذيفة بينها 233 صاروخًا أرض أرض و129 برميلاً ولغمًا متفجرًا.”
لم يفرق قصف النظام أو الروس بين منشأة مدنية أو ممتلكات عامة فقد كان القصف بشكل عشوائي وأحيانًا مقصودًا، حيث خرجت كافة المشافي في المدينة عن الخدمة كان آخرها قبل أيام.
يقول العثمان: “تم تدمير أربعة مشافي ومستوصف وخمسة أفران وثمانية مساجد وست مدارس ومركز الدفاع المدني، ما سبب دمار أكثر من 20% من المدينة بشكل كامل وقرابه 50٪ بالمئة بشكل جزئي.”
هل سمعتم بمصطلح “مدينة تمسح من على الخريطة من قبل؟!” كان هذا عنوان بيان أصدره المجلس المحلي لمدينة كفرنبل يحمل في طياته الكثير من العتب على المجتمع الدولي، ولعل أبرز ما كتب فيه” “لم ينفعنا التصوير ولم ينفعنا التوثيق ولم تنفعنا البيانات والتباكي والصراخ بأعلى صوت ولن تنفعنا، فنحن نعيش على كوكب الكرة الأرضية الذي أثبت أن قوانينه هي نسخة مطورة عن شريعة الغاب وهذه النظرة ثابتة لدينا نحن السوريين فواقع الحال عندنا علمنا الكثير”
(هيثم الخطيب) رئيس المجلس المحلي للمدينة يقول: “نزح أكثر من 90% من سكان المدينة، وتم إيقاف الخدمات في المدينة بسبب الوضع الحرج باستثناء موضوع النظافة والعمل الإغاثي استمر بشكل شهري داخل المدينة رغم توقف أغلب المنظمات وتعليق أعمالها داخل المدينة.”
كانت تعتبر المدينة شريان الحياة لريفي حماة الشمالي وإدلب الجنوبي، وتؤمن مستلزمات الحياة للمنطقة إلا أنه لم تعد كما كانت بفعل حقد النظام، وما يلفت النظر عبارات تداولها أبناء كفرنبل بعد البيان الذي أصدره المجلس المحلي فقالوا: “لم نكتب تلك الكلمات كي نستجير عطف أحد ولن نفعل ذلك، فالتجربة مع الخذلان مريرة وتاريخها طويل، ولكن نكتب كي نواسي حزننا فقط ونداوي جرحنا ونجبر خاطرنا ونداري قهرنا لا غير.”
يقف المجتمع الدولي صامتًا عمَّا يحدث من جرائم حرب ترتكب بحق أهل إدلب، كأنما هو شريك الأسد وروسيا في حربه ضد من خرج في ثورة الكرامة.
ويصف لنا العثمان حال متطوعي الخوذ البيضاء بقوله: “نقف كشهود على مأساة قتل ودمار ولا نتوانى عن تقديم قصارى جهدنا لمساعدة أهلنا ولقد وهبنا أرواحنا رخيصة في سبيل قضيتنا.”
من يقف مع مدينة كفرنبل اليوم إلا أبنائها الذين تشردوا وقد وقفوا قبلها مع الجميع تضامنوا مع البلدات حتى مع الثورات الخارجية لتترك اليوم المدينة وريف إدلب الجنوبي ليلاقي مصيرًا واحدًا وتدميرًا ممنهجًا وسياسة لعينة تنفذها ثاني أقوى دول العالم في صمت أممي مبهم.