حازم العلي |
في كل العالم ثمة متطوعون، أما في سورية هناك أبطال متطوعون، التطوع في غير سورية ترويح عن النفس وهواية المترفين، يأخذ وقتًا ثانويًا منهم بعد أداء الواجبات والالتزامات، فيقوم المتطوع بتأدية ما يشاء متى يريد، إذ لا إلزام فيه ولا إكراه، القيام به خير وتركه لا ضرر فيه ولا أجرة لفاعله.
هذا هو مفهوم التطوع في غير سورية، وعلى أساسه يعمل المتطوعون ويطلقون المبادرات، لكن في سورية الثورة للتطوع معنى آخر فرضته ظروف الحرب من جهة وثقافة الأهل من جهة أخرى، فهو واجب إنساني أخلاقي على كل مستطيع بما يستطيع، وله الوقت الأساس، بل كل الوقت إن اضطر الأمر، في تركه ضرر كبير على كثير من الناس بكل المجالات، وهو سمة أساسية ترتبط دائمًا مع اسم ثورة الحرية والكرامة.
في سورية التطوع مخاطرة بحياتك، في سورية تتطوع بروحك ليعيش الآخرون، في سورية التطوع يعني أن تكون هدفًا أساسًا لطائرات القصف، وفي سورية التطوع دين وشرف.
المجتمع الذي يعيش فيه أفراده على المصالح البحتة والمادية الجافة مجتمع خالٍ من الإنسانية في طريقه للتفكك والسقوط، والذي يبدد تلك المصالح التطوع فهو من أسمى الأخلاق وأنفعها التي تدلل على سمو صاحبها وخيريتها، بعكس ذلك الذي ينكس رأسه ويرفعه لمصلحته فقط، ولا مكان عنده لنفع الغير دون مقابل.
ولكم نرى أثر أولئك المتطوعين عظيمًا في المحن والحروب، فترى الذي يطعم جائعًا ويسقي عطشان ويؤوي نازحًا ويداوي مريضًا وينقذ روحًا من تحت الركام.
ويجدر بنا ألا ننسى أصحاب الفضل وبناة المجد خير الناس وأنفعهم للناس، ألا وهم
المعلمون الذين لا ينفكون ثابتين على ثغورهم، يعلمون النشء ويغرسون فيه القيم ويبقون مشاعل النور في وجه غربان الجهل.
كان هذا العام الدراسي في المناطق المحررة اختبارًا حقيقيًا لقيمة التطوع عند كل معلم حر بعد انقطاع الرواتب وتوقف الدعم، فحسب إحصائيات منسقي الاستجابة في المناطق المحررة، فإن عدد طلاب المناطق المحررة 500 ألف طالب مهدد بتوقف تعليمهم إذا توقف التعليم، وإن عدد المعلمين المنقطع دعمهم ويعملون بدون راتب 10850 معلم يتوزعون في حلب وإدلب واللاذقية.
كان التحدي صعبًا بكل جوانبه، والخطر كبير والنتائج كارثية، غلاء بالأسعار وارتفاع لسعر صرف الدولار، وانقطاع لمادة المازوت، وشتاء قارس، وحاجة كبيرة، وقصف هنا وموت هناك.
وربما داخل المدرسة جهد مضاعف ومسؤولية أكبر، لكن النجوم كلما اشتد الظلام حولها لا تخبو بل تزداد ضياء وتألقًا، وهكذا هم المعلمون، تطوعوا بوقتهم وبعلمهم ليبقوا كما هم منارات خير وهدى، كأن لسان حالهم يقول:
إن توقف الدعم فلن يتوقف العلم، تسع سنوات من الحرب والحرمان ظهر فيها المتطوعون صغارًا وكبارًا شبابًا وبناتًا كأنهم طيور الخير والعطاء، يتنقلون من سماء لسماء، يرسمون البسمات ويحققون الأمنيات.
أخبروا من يسألكم عن التطوع أن يقرأ في صفحات الثورة السورية، فسيجد أبطالاً وآلافًا من المتطوعين يقدمون بما قدموا لبلدهم دروسًا للبشرية في التطوع والعطاء وحب الخير والسلام.
فلا ينبغي أن يمر يوم التطوع العالمي 5-12-2019 ولا نتذكر أولئك الأبطال المتطوعين وننحني شكرًا وعرفانًا وإكبارًا لما بذلوه خدمة لبلدهم وأهلهم، ونترحم على الشهداء منهم وما أكثرهم! فتحية لأصحاب الخوذ البيضاء، وتحية للمعلمين المنارات، وتحية للأطباء الصامدين، وتحية للجنود المرابطين، وتحية لكل متطوع تطوع لفعل خير أو رد ظلم، وإن قصرنا في شكركم أو لم تأخذوا حقكم فالله سيشكركم ويجازيكم، فهنيئًا لكم (فمن تطوع خيرًا فإن الله شاكر عليم) إن في التطوع لذة وسعادة لا يعرفها إلا من ذاقها، تطوع فمازال الطريق طويلاً والحاجة عظيمة.