رئيس التحريركثيرة هي الملفات التي يجدها الرئيس الأمريكي على طاولته كل يوم، ويبدو أنه مصرٌّ على سياسته المتمسك بها التي ميزته وميزت فترته الرئاسية على مدى الخمس سنوات السابقة، نعني سياسة التعامل مع الأحداث وطريقة الرد التي تعتمد على (صناعة مشاكل- انسحاب- حفاظ على المصالح)، وأكبر مثال على هذا النهج الأمريكي في طريقة التعامل مع الملف السوري والثورة السورية منذ اليوم الأول من انطلاقتها.لقد ظل (أوباما) يدعو من بعيد إلى ضبط النفس وإلى الحوار والانتقال السياسي، وربما يصعّد في (كلامه) إلى درجة مطالبته بشار الأسد بالتنحي عن السلطة، لتضيع مطالبه في الهواء كما يضيع الصوت الخافت في بئر عميقة، هذا لأنه يدرك عواقب الأمور مستفيدا من تجارب أسلافه السابقة، ولذلك فإن الرئيس الأمريكي كثير التفكير قبل اتخاذ القرار وتنفيذه، ويسأل نفسه دائما: ماذا يمكن أن يحدث لو فعلنا ولو لم نفعل؟.إن نتائج حرب العراق وما خلفتها من تبعات وكوارث مؤلمة على الأمريكيين أيقظت صانعي القرار في أمريكا واعترفوا بأخطائهم في العراق التي أوجدت بعد إسقاط نظام صدام حسين فراغا ساعد على بروز تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين وتزايد أنصاره والمنتمين إليه، وتأسيس دولة العراق الإسلامية بقيادة أبي عمر البغدادي.فالسياسيون يعقدون المقارنات بين الأحداث المتشابهة قبل صنع القرار ليتمكنوا من وضع الاستشرافات المستقبلية، وربما يعتقد الأمريكان اليوم أن العلاقة بين طرفي التشبيه (العراق وجيرانه) واضحة للعيان وأن جيران العراق نسخة ثانية عنه.ولكن الرياح تجري على غير ما تريده السفن الأمريكية وتتوقعه، فعلى الرغم من العمل بحذر وتأنٍ نجد أن الحذر والتأني لم يجديا نفعا، لأن الباطل لا يمكن أن يبقى ماشيا على طريق معبدة وإن بدأها مفروشة بالورود من قبل أنصاره وحلفائه وعملائه، فنتيجة تعميم طريقة الرد الأمريكية على مواقف مختلفة أدى ذلك إلى تقليص دور أمريكا في المنطقة مقارنة بالقوة الروسية التي تدخلت في سورية لحماية ذنبها في الشام، إضافة إلى تنامي قوة تنظيم القاعدة في بلاد الشام وقوة الدولة الإسلامية وتمددها في سورية والعراق وليبيا وسيناء واليمن والقوقاز على الرغم من قتالها على جبهات متعددة ضد عدد من الأطراف وقصف طائرات التحالف الستيني!نعم، أدركت أمريكا الخطر ووافقت على مشروع (جون ماكين) و(جون بولتون) بإيجاد قوات عسكرية برية مؤلفة من مئة ألف جندي مسلم، وهو مشروع التحالف (الإسلامي) الذي أعلنت عنه السعودية بتاريخ 15-12-2015م على الورق، وغاب عن أمريكا أن الجيوش العربية لا تعرف من الحروب غير الرايات البيضاء!وإضافة إلى ما ذكر يظهر تردد إدارة أوباما والمخاوف المستقبلية في علاقة الولايات المتحدة بكل من طهران والرياض، ففي ظل الحرب الباردة بين الدولتين الأخيرتين يظهر حرج أوباما الذي يحاول إمساك العصا من المنتصف، فهو يريد من إيران أن تكون حليفا قويا جديدا، وهذا ما يقلق السعودية الحليف القديم، ولذلك فإنه سيكتفي بالمراقبة من بعيد.يبدو أن السياستين (البوشية) و(ضد البوشية) لم تجديا نفعا، لأن الباطل هو الذي يحركهما، ولذلك ستفرضان على الرئيس الأمريكي القادم جملة من التحديات ومزيدا من الملفات على طاولته في البيت الأبيض.