نزار العمرلقد انتشر في الآونة الأخيرة على مواقع التواصل الاجتماعي عبارات كثيرة ونصائح عديدة جمّة تُظهر الأنثى على أنّها الكائن الملائكي المفعم بالمشاعر والأحاسيس والعواطف، وفي المقابل تُظهر الرجل على أنّه الكائن الغير مبالي، وتصوِّره على أنّه الوحش الكاسر الذي لا يعرف الرحمة ولا الحنان، ولا يقدّر قيمة الأنثى وعواطفها، ولا يستطيع أن يتحمَّل منها أي شيء، بل على العكس هو دائماً في استعداد تامٍّ للانقضاض على فريسته الأنثى وتمزيق أحاسيسها إرباً وتقطيع مشاعرها إلى أشلاء.ولكن هل هذا صحيح؟ وهل الرجل على هذه الشاكلة من الأخلاق والتي تمّ تصويرها من خلال هذه النصائح؟هل صحيح أنّ المرأة تنظر إلى هذه النصائح وتأخذها على محمل الجد وأنّها خلاصة تجارب لنساء أخريات؟يمكننا القول: ليس كلُّ الرجال على أخلاق واحدة، ولا حتى النساء، ويمكننا أيضاً أن نلاحظ وجود نسبة من النساء اللواتي يأخذنَ هذه النصائح على محمل الجد ويتأثرنَ بها تأثرا عظيما في بعض الأحيان، وهذا مُلاحظ من خلال التعليقات التي تكتبها الإناث وردود أفعالهنَّ من خلال كلماتهنَّ اللاتي يكتبنها، والتي تظهر مدى هذا التأثّر بهذه النصائح الفاشلة.وللعلم أنا لا أعمّم (فمن عمّم أخطأ)إنّ ما يتم تداوله عبر مواقع التواصل الاجتماعي وخاصة الفيس بوك بهذا الخصوص هو كالسم في العسل.والدليل كثرة التناقضات في الأقوال والنتائج، فمثلاً يتمُّ إظهار الأنثى على أنَّها الكائن المكسور المشاعر، وفي مواضع أخرى يتم إظهارها على أنّها نصف المجتمع، والبعض يقول إنّها المجتمع، فهي الأم والأخت والزوجة والبنت والمعلمة الأولى، وهي التي تربي النصف الآخر وتبني الإنسان وتصنع الأبطال وتعلم العظماء والعلماء، ووراء كل رجل عظيم امرأة، وما إلى هنالك من هذه الأقوال والعبارات والنصائح، ولكن إذا نظرنا إلى هذه العبارات والأقوال وأخذنا بصحتها نجد أنَّ الفشل الحاصل في المجتمعات هو سببه المرأة، فهي نصف المجتمع وهي من تقوم بتربية وتعليم النصف الآخر طبعا إذا اعتبرنا أنّ هذه الأقوال صحيحة، وبذلك نكون قد ظلمنا أمَّهاتنا وأخواتنا وزوجاتنا وبناتنا.إذاً على من نضع الحق في النهاية على الرجل الوحش أم على من تعتبر نفسها نصف المجتمع ومعلمة ومربية النصف الثاني من المجتمع أي (الرجل)؟ولكن أقول: إنّ هذا الكلام وهذه الأقوال لا فائدة من مناقشتها ولا بأي شكل من الأشكال، لأنّها لن توصلنا إلى النتيجة الصحيحة المرضية.السبب أنّ هذا الكلام وتلك العبارات والأفكار تمّ استيرادها من مجتمعات متقلبة المفاهيم والقيم وليس من مبادئ ثابتة في حياتها سوى النفعية الشخصية.والتي لا تحترم الأنثى سوى بما تقدمه من منفعة خاصة للطرف الأخر، والتي تنظر إلى الأنثى على أنّها وسيلة لتحقيق رغباتهم ومصالحهم الشخصية، والتي لا تحترم كينونة الأنثى بما أنزل الله عزَّ وجلَّ بها من صفات خاصة، وهنا ننتقل إلى مستوى العلاقة بين المرأة والرجل ولكن من منظور الإسلام وكتاب الله وسنته الثابتة في كل مكان وزمان، وليس من خلال التجارب الشخصية ولا المفاهيم والقيم الغربية المتغيرة بتغيّر الظروف والزمان والمكان، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم “خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي وما أكرم النساء إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم” رواه الترمذي وابن ماجهويقول الرسول صلى الله عليه وسلم “استوصوا بالنساء خيراً”وهناك الكثير من الآيات والأحاديث التي تعطي للمرأة مكانتها الحقيقية وقيمتها الصحيحة ويحافظ على جوهرها وكينونتها الطبيعية بين أسرتها وفي بيتها وعملها وأمام المجتمع بشكل عام.وكيف لا يكون ذلك وقد ميزها الله عزّ وجل بأمرٍ لم يميز به أحدا من خلقه وهي عاطفة الأمومة التي لا يمكن لغيرها أن يشعر بها، ومشاعر فيّاضة بالعطف والحنان والرقة التي لا يمكن أن يحملها أحد غيرها، فهل هناك أعظم من هكذا تكريم وتقدير لكيان المرأة وجوهرها؟!وثمَّة سؤال موجه إلى أخواتنا الكريمات، كيف تنظرين إلى الرجل؟هل كان اختيارك له مبنياً وفق المنظور الإسلامي أم وفق العادات والتقاليد؟هل نظرت إلى أخلاقه، أم إلى ما يملكه وما يستطيع أن يقدمه لكِ من مظاهر أمام مجتمعك الخاص؟إنَّ الرجل المسلم وصاحب الأخلاق ينظر إلى المرأة على أنَّها تاج يوضع على رأسه، وينظر إلى الحياة والمستقبل من خلال عينيها، وهو على استعداد تام في كل وقت وزمان أن يجعل من نفسه الدرع والحماية والأمان والثقة لها، فإن أحبَّها أكرمها، وإن أبغضها لم يظلمها أو يؤذها.وثمَّة سؤال للأخوات اللواتي يتأثّرن بما يتمُّ تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي، كيف نظرتِ إلى الرجل؟هل نظرت إليه من خلال شكله وماله، أم من خلال ما تقدمه لكِ بعض صديقاتك أو أقاربك من نصائحهم وتجاربهم الفاشلة في بعض الأحيان والتي يحاولن إسقاطها على تجربتك وحياتك؟أم من خلال اهتمامك بالمظاهر وما يستطيع أن يقدمه لكِ من هدايا، ويقيم لك الحفلات والرحلات وما إلى ذلك من هذه المظاهر الاجتماعية؟وهل كنتِ على القدر المطلوب من الوقوف بجانب شريك حياتكِ ومساعدته وحثّه على طاعة الله وتذكيره بواجباته أمام الله؟أم كنتِ الحِمل الزائد المرهق على كاهله؟هل كنتِ له السكينة النفسية والمودة المفعمة بالمشاعر التي تساعده على مصاعب الحياة؟أم كنت ذات الآذان الصاغية لتجارب من حولكِ وكلامهم ومحاولة تطبيقها على حياتكِ؟الأدوية ليست جميعها مناسبة لنفس المرض، وليس كل ما يحدث مع الآخرين من تجارب وتقديم النصائح يكون مناسباً لحياتنا.وإن كان اختيارك مبنياً على المظاهر الاجتماعية، فاعلمي أيضاً أنّ من اختارك اختارك أيضا على المظاهر الاجتماعية، وعندما يجد مظهراً جديدا وقد ملَّ من مظهركِ الذي تعوَّد عليه سوف يذهب إلى غيرك دون مراعاة لمشاعرك أو أحاسيسك، والسبب أنّه اختاركِ بناءً على سبب اختيارك له ألا وهي المظاهر.يقول الله تعالى في كتابه العزيز “ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودةً ورحمة إنّ في ذلك لآيات لقوم يتفكرون” “الروم آية 21″وإنّ هذه المودة والرحمة والسكينة لا يمكن أن تكون أو توجد بين الرجل والأنثى إلا إذا كانت مبنية على هدفها الأول وهو إرضاء الله، ولا يكون ذلك إلا من خلال حسن الاختيار.تجاربنا في الحياة وخبراتنا مختلفة ومتنوعة ولا نستطيع أن نجعلها مقياس أو قواعد عامة ومن عمّم أخطأ.وأختم أخيرا بنصيحة إلى أخواتنا الكريمات: لن تجدي الرجولة إلا في ذلك الذي يخاف ربَّه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
“من الخطأ الفاضح والغلو الفادح قولهم إن عقد الزواج عند المسلمين عبارة عن عقد تباع فيه المرأة فتصير شيئا مملوكا لزوجها، لأن ذلك العقد يخول للمرأة حقوقا أدبية وحقوقا مادية من شأنها إعلاء منزلتها في الهيئة الاجتماعية”الكونت هنري دي كاستري (1850-1927 (Cte.H.de castriesمقدم في الجيش الفرنسي، قضى في الشمال الإفريقي ردحا من الزمن. من آثاره: (مصادر غير منشورة عن تاريخ المغرب) (1905) و (الأشراف السعديون) (1921) و (رحلة هولندي إلى المغرب) (1926) وغيرهما .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من حقوق المرأة في الإسلام حق اختيار الزوج فليس لأحد إجبارها على الزواج أو على زوج لا تريده سواء كانت بكرا أو ثيبا، فعن ابن عباس “أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: “الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا وَالْبِكْرُ تُسْتَأْمَرُ وَإِذْنُهَا سُكُوتُهَا” رواه مسلم