محمد نعمة |
يودِّع السوريون العام الثامن للثورة ولا شيء غير المزيد من المعاناة والضحايا وفقدان الأمل الذي لامسته قوى الثورة في أعوامها الأولى في خطابات القوى الغربية العظمى والعربية ذات الثقل ضد النظام السوري متمثلاً بالأسد، جراء حملة العنف والإجرام الممنهج، التي وُصفت بملئها بجرائم ضد الإنسانية في المحافل الدولية، لكن من يهتم بالإنسانية اليوم؟!
لقد فقد السوريون أي ثقه مفترضة بالعدالة الدولية منذ أن كانت مسرحية عقاب النظام على جريمة الكيماوي بمصادرة الكيماوي، وعلى تجاوز الخطوط الحمر برسم أخرى جديدة، ومن ثم تخفيض الخطاب الإعلامي ضده بشكل مفاجئ حتى من أقرب من نصَّب نفسه في مجموعة أصدقاء الشعب السوري، فمنذ أكثر من عامين لم نشاهد (عادل الجبير) بلغته الصارمة المعتادة يتحدث عن ضرورة تطبيق مقررات جنيف، لا بل قررت قناة العربية السعودية استعراض رأي الدولة السورية والترويج له مؤخرًا خاصة في القضايا التي تخص العداء لتركيا.
كما شهدنا في تغطيتها لعملية (نبع السلام) التركية، حتى قطر قررت حصر دعمها في المسائل الإنسانية، ولا ريب أنها أوعزت لقناة الجزيرة بإلغاء النشرة الخاصة بسورية بعد أن أصبح القتل مسلسلًا اعتياديًا فيها.
وفي الغرب ذهب (هولاند) الذي كان متحمسًا لتنفيذ ضربة عسكرية ضد الأسد، وجاء (ماكرون) المتحمس للوقوف ضد تركيا في سورية، وودَّع العالم (أوباما) مع خطوطه الحمراء واستقبل (ترامب) الذي ابتدأ حكمه بوصف الأسد بالحيوان، و ها هو ينهيه بشكر الأسد في خطابه بمناسبة مقتل البغدادي، فضلاً عن مقابلات إعلامية غربية مكثفة مؤخرًا مع بشار الأسد دون تحفظ أو مراجعة نقدية لأفكاره، كأنهم دخلوا في خطة إعادة تعويمه مع روسيا حتى أصبح خطاب قناة روسيا اليوم يتداول باعتباره انتقاد للنظام للسوري في مفارقة أقل ما يقال عنها أنها مضحكة .
واليوم تطل علينا (إيفانكا ترامب) لتعدنا بأن والدها سيوقع على قانون عقوبات (قيصر) الذي أحدث زوبعة إعلامية جديدة باعتبارها خطوة جدية ضد الأسد وأعوانه الاقتصاديين، ويتناسى الجميع أن النظام السوري يخضع للعقوبات الأمريكية منذ التسعينات، وأن أعوان الأسد المفترضين كإيران تخضع لأقصى عقوبات أمريكية ممكنة كما وصفتها الدبلوماسية الأمريكية نفسها، وأن روسيا تعاني من عقوبات أمريكية وأوروبية مشتركة، حتى بعض بنوك لبنان خضعت لعقوبات مماثلة، لكن يبدو أن الأسد وأزلامه يجدون دائمًا طريقة لتوفير العملة الصعبة بالتهريب والتلاعب والالتفاف على العقوبات بتأجير الموانئ والثروات الباطنية لشركات أجنبية إيرانية وروسية تطالها، فكيف يحدث كل ذلك لولا أن ثمة قرار بأن يبق النظام وكيلاً لأطراف دولية فوق ركام المدن السورية؟
لا ريب بأن النتيجة المنطقية للعقوبات هي انهيار الليرة والاقتصاد الذي سيولِّد مزيدًا من الضغط الشعبي و من ثم اضطرار النظام للتنازل، لكن ما حدث لا يجانب المنطق، فالعقوبات لم تطل إلا لقمة الشعب السوري ومصادر دخله الضئيلة في الوقت الذي يفترض فيه أن نشهد انهيار رأسمالية (الشهابي) رئيس غرفة التجارة في حلب أو انحلال إمبراطورية (رامي مخلوف) أو عائلة (الأخرس) ملوك المال في سورية، إذ لم يسرب لنا خبر عن اقتراب نفاذ مليارات عائلة الأسد التي سرقتها من سورية خلال النصف قرن الفائت بالرغم من الحرب الدائرة منذ 8 سنوات، كل ذلك جعل الشعب السوري يخشى أن تكون عقوبات قانون (قيصر) جريمة تقترف بحقه بدلاً من القيصر الحقيقي (الأسد) القابع في دمشق وأعوانه في العالم كما يرجى منها.
لقد شهدنا خلال أعوام الثورة سقوط قناع العداء ضد الأسد، من خطاب إقصاء إلى تجاهل ثم تفاوض، وكانت العقوبات حاضرة في كل مرحلة، بتنا نخشى في المرحلة القادمة أن تبق العقوبات و ننتقل لخطاب إقرار بقائه في السلطة، فالكل اليوم يتحدث عن عقوبات على قيصر ولا أحد يتحدث عن قيصر نفسه! .