د. جاسم سلطان يقدم القرآن لنا رواية كونية تجيب على أسئلتنا الوجودية، ومعها تقريرات عن وضع الإنسان في الكون وعلاقته بالإيمان، ويقدم القرآن لنا كيفية علاقة المخلوق بالخالق، وعلاقة المخلوق بالمخلوق، وعلاقة المرء بنفسه التي بين جنبيه وكيف يراقبها ويحاسبها ويقومها. ويدلنا القرآن على أهمية الفكر والتفكر والعقل والتعقل والعلم والعلماء الذين يقومون بكشف أسرار الكون بغرضين:الغرض الأول: من سبر أسرار الكون هو معرفة دقة صنعة الخالق وتعظيمه. والثاني: متعلق بوظيفة الإنسان في الكون وإعماره، وهو مطلب التسخير. فالقدرة على الإعمار مرتبطة بإعمال العقل وممارسة قانون التسخير، وبقدر النجاح في تسخير الكون يتحقق التقدم الدنيوي، وتتفاوت الأمم في الدنيا.فالقرآن حين يتكلم على أسرار الكون لا يشير إلى نصه المسطور بل إلى الكون المنشور.. إلى الوجود كله. فمن أين أتانا القصور رغم عظمة القرآن ووضوحه !إن الخلل أتانا من افتقاد الربط المحكم بين ثلاثية القرآن الكبرى (الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون)هي ثلاثة أقدام يقف عليها مشروع الدين الفاعل في الحياة والمنجي في الآخرة إذا سقط منها شيء عثرت أقدام الإنسان في تحقيق مطلوب الدين الأسمى.أول تلك الأسس إحسان فهم البعد الأخروي، وثانيها إحسان الصلة بالله، وثالثها العناية بالوجود والانفاق فيه من فكرنا وجهدنا وطاقتنا لإعماره.وفي جزء الانفاق في الكون عثرت أقدام الأمة ولم تفقه مغزى توجيه القرآن الأنظار للكون وتسخيره فسبقتها أمم الأرض وأصبحت هي عالة عليهم. وأخطر تلك الآفات العقلية في كشف أسرار الكون هي إهمال الإشارة الخارجية التي طرحها القرآن، والبحث في ذات النص لاكتشاف الأسرار التي محلها الكون!الكون كله آيات دالة على الخالق والغوص في أسرارها مكانه العلم التجريبي، والأمة مسؤولة أن تعرف الفرق بين شيء في القرآن وشيء أشار اليه القرآن. والفرق شاسع بين شيء في القرآن، وشيء أشار اليه القرآن.. فما أشار إليه القرآن في الخارج مكان بحثه الوجود وأدواته العلم والمنهج العلمي.إن تكريم القرآن الحق يكون في تدبره أولا.. فذلك معنى الرسالة وذلك غرضها وذلك هو الاحتفاء بها.