دعاء عبد الله |
يُعد التعليم أحد أهم الأمور التي تسهم في تأمين مستقبل للفتيات الراغبات بالعمل في شتى الاختصاصات والمهن، وبسبب الأوضاع التي تمر بها المناطق المحررة ابتعد عدد كبير من النساء عن مقاعد الدراسة لأسباب اقتصادية واجتماعية.
بالمقابل، وهذا ما يجب أن يسلط الضوء عليه، هو أن نساء كثيرات قررنَ العودة إلى مقاعد الدراسة رغم التقدم في السن، فتحولت الصعوبات إلى حوافز يُعد اجتيازها إنجازاً والفشل فيها محاولة لا ضرر في تكرارها مرات ومرات.
صحيفة (حبر) التقت مجموعة من النساء اللائي قررنَ إكمال دراستهنَّ في جامعات ومعاهد المناطق المحررة لتفعيل دورهنَّ الاجتماعي والاقتصادي في المجتمع السوري الذي أثبتت فيه المرأة وجودها بقوة على كافة الأصعدة.
الآنسة (أمينة شمة) ميسرة دعم نفسي ورئيسة جمعية (التفاح الأخضر) تقول: “إن سبب عودتي للمدرسة هو الشغف الشديد للعلم والتعلم وتعلقي بالتحصيل العلمي الذي كان يلازمني طوال أيام حياتي، وقدوتي قوله صلى الله عليه وسلم: اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد.” كما أن العمر بحسب أمينة ليس مشكلة بل المرأة عندما تقبل للتعلم في عمر متقدم تكون واعية تماماً لهدفها في الحياة.
وعن الصعوبات التي واجهتها في مسألة الدراسة تقول: “إن أصعب عقبة كانت تعصب الزوج لفكرة العودة للدراسة بعد إنجاب عدد من الأطفال، وهذا ما اجتزته بعد إلحاح وتدخل الأقارب، والمشكلة الثانية هي صعوبة العودة للكتب والمناهج واستيعابها ودراستها بعد 16 عاماً من الزواج خاصة مع امتلاء عقلي بهموم البيت والأطفال، وأخيراً فقد عانيت من نزوحي من مدينة حلب وشعرت بأنني لن أعود للدراسة ثانية.
تضيف (أمينة) أنها “عاودت التسجيل في جامعة حلب في المناطق المحررة في كلية الشريعة بعمر الأربعين عاماً، وكانت أولى المحاضرات التي حضرتها في مدرجات الجامعة عن سيرة نبينا الكريم الذي بدأ بالدعوة في عمر الأربعين وهذا ما زاد دافعيتي تجاه العلم.”
كما أشارت أمينة أنها تعرضت لبعض كلام الناس.. متى ستتخرجين؟ وماذا ستفعلين بشهادتك بعد هذا العمر؟ إلا أن ذلك لم يخفف من تقدمها وهي بالسنة الثالثة في الجامعة أملها أن تتخرج دون رسوب أو عقبات.
كما التقت صحيفة (حبر) الآنسة (رحاب أم العلا) 45 عاماً التي قالت: “إن طموحي إكمال دراستي، لكنني فضلت أولادي عليَّ وفتحت طريقهم إلى العلم، وبعد أن كبروا قررت أن أكمل دراستي؛ لأنه لا بد من أن نحمل رسالة في ظل هذه الحرب.”
وعن الصعوبات التي مرت بها قالت: “تتمحور حول الحرب كالقصف الذي أعاقني عن تقديم الامتحان لكن بالعزم والإرادة اجتزت العقبات.”
أما (فاطمة محمد) فإن سبب عودتها للدراسة هي الظروف المعيشية الصعبة وسفر زوجها، فكانت هي الأم والأب والمعيل الوحيد لعائلتها المؤلفة من 5 أشخاص، لذلك قررت البدء بدراسة معهد إعداد المدرسين كي تصبح معلمة.
وواجهت فاطمة صعوبات كثيرة منها التنسيق بين مهام المعهد ومهام المنزل بالإضافة إلى كلام الناس الذي لا يرحم.
وتختم فاطمة حديثها: “الشكر لله أولاً ثم لزوجي الذي كان ملهمي الأول في طريق العلم، كما أن العمر ليس عائقاً أمام الدراسة لا سيما عند المرأة فالشهادة العلمية بيد المرأة مصدر قوة لها في المجتمع لا سيما في تربية أطفالها أيضاً.”
بدورها فقد أوضحت الدكتورة (فاطمة العبدان) مدرِّسة في جامعة حلب في المناطق المحررة “أنها لاحظت هذه الظاهرة في الفروع الأدبية دون العلمية؛ لأن الفروع الأدبية ربما تكون أسهل وتؤمن دخلاً جيداً بطريقة أسرع لا سيما أن الفرع العلمي يتطلب التزامات أكبر، ومن الصعب أن تلتزم بها المرأة الكبيرة في السن خاصة بعد زواجها وإنجابها للأطفال.”
وتعكس عودة النساء إلى التعليم نسبة الوعي المتزايد لدى السوريين بضرورة تعليم المرأة وعملها وضرورة تمكينها ووجودها في المجتمع إلى جانب الرجل تشاركه الواجبات وتتقاسم معه هموم الحرب.