أَطلت علينا منذ فترة ليست قصيرة بعضُ المصطلحات والمفاهيم التي نتجت من خلطة التنمية البشرية مع الإدارة، ومن هذه المفاهيم كانت النظرة إلى (المشكلات على أنها تحديات) يجب تجاوزها، وعدم الركون إليها كمشكلة عويصة، ورؤية المشكلة كتحدٍ، كما يقول منظرو الخلطة السابقة، يحفز لدى الأشخاص القدرة على حلها ويجعل أعينهم دائماً متعلقة بالهدف ويحول دون غرقهم في تفاصيل المشكلة.
“لم يستطع أحد المدربين في مكان ما تثبيت لوحة من اللوحات التدريبية التي جلبها معه على الحائط، لعدم وجود مسامير، وثقل اللوحة يصعِّب تثبيتها بلاصق، فاستغل الموقف ليشرح للمتدربين كيف يجب أن يتم النظر إلى الأمر كتحدٍ وليس كمشكلة بإمكانها إيقاف التدريب، وبقدرته الفذة استطاع تجاوز هذا التحدي وشرح ما في هذه اللوحة دون اضراره لتثبيتها”.
أمس سمعت عبارات مشابهة تبدو صحيحة لوهلة، أو على الأقل تبدو محفزة، لكن الإفراط في رؤية المشاكل على شكل تحديات ننجح في تجاوزها تُصيب التحفيز بالتضخم، وبالتالي تُصيب الشخص بتوهم الإرهاق؛ لأنه عبر تاريخه المهني وبعظمته الفريدة استطاع تجاوز تحديات كبيرة وصغيرة، استطاع أن يحمل ألق التحدي ويمضي حتى كاد هذا الألق ينفد.
وعند أول تحدٍّ حقيقي تقع الكارثة لا المشكلة؛ لأن هذا التحدي لا يشبه تلك المشكلات الصغيرة التي استطاع صاحبنا تحويلها إلى تحديات وتمكن من تجاوزها أو حلّها بالقليل من ألق التحفيز والروح المعنوية العالية، والمشكلة أحياناً في التحديات أنها تحفز عقلية التجاوز، إذ ليس من الضرورة الوصول إلى حل في كل مرة.
بالنسبة إليَّ أفضل رؤية المشاكل كمشاكل، لا تحديات ولا شيء آخر، مشكلة ضمن حجمها كبيرة أو صغيرة يتم حلّها ثم الاستمرار بالعمل، أو يتم تجاوزها مع تذكر أنها مشكلة موجودة يمكن أن تعاود الظهور لا مجرد تحدٍّ وعقبة طارئة يسهل القفز فوقها للاستمرار حتى ولو بطريق أعرج.
ببساطة (أجلب مساميرك ولا ترهقنا بنظريات متعبة) فالمسمار لا يرقى ليصبح تحدياً، وأنت أكبر قدر.
المدير العام | أحمد وديع العبسي