رئيس التحريرشيئًا فشيئًا تُزاحُ الستارة عن خشبة جينيف 3، ويظهر الممثلون الحقيقيون الذين يديرون المفاوضات ويحركون الأحجار على الرقعة السورية، ليتبين أن عنوان المشهد الحالي هو الحرب والخديعة، ففي حين كان وفد المعارضة السورية المشكل (بعد طلوع الروح) يُلمِّع ذقنه ويكوي بنطاله ويختار ربطة العنق المناسبة و(البارفان) المناسب، كانت القوات العسكرية الروسية والسورية تتفقد ذخيرتها وتزود طائراتها الحربية بالوقود قبل إعلان الهجوم الجوي الأرضي المكثَّف على مواقع في حلب وريفها. وبالفعل نجحت الطائرات الروسية والقوات الأرضية التي ترفع علم النجمتين والثلاث نجمات من تغيير الوقائع ورسم خارطة جديدة، ودخلت القوات السورية النظامية مناطق كادت تنسى ملامحها، أما وفد المعارضة في جينيف فما زال يبحث عن تسريحة شعر غير عادية يسحق بها الوفد الروسي!!نعم، إنها الخديعة التي استطاعت من خلالها روسية أن تضع الوفد السوري المعارض في جينيف في خانة (اليك)، واستطاعت أن تلعب ثنائية (الحل السياسي- مكافحة الإرهاب)، وأن تصنع معارضة سياسية جديدة تتفاوض معها، ومعارضة عسكرية تقاتل معها جنبا إلى جنب!في مطلع شهر شباط عُقدت في جينيف جولة مباحثات جديدة بين ممثلي المعارضة السورية وممثلي النظام، وبدت روسية سيدة الموقف وكأنها (الزعيم) الذي يدير نقاش مستجدات الحارة في المسلسلات السورية، ولذلك فإن من حقها أن تستخدم القوة العسكرية لحرب الإرهاب باعتبارها الممهدة للحلول السياسية التي تدندن بها الولايات المتحدة على مدى خمس سنين، فما كان من المجتمعين و(العضوات) في جينيف إلا أن هزوا رؤوسهم.ولا يخفى على ذي لبِّ أن النقاط المشتركة بين الروس والأمريكيين يزداد رصيدها يومًا بعد يوم، وقد نقل الكرملين يوم الأحد 14-2 خبر المكالمة التي جمعت بين فلاديمير بوتين وباراك أوباما، إذ تناولت المكالمة الحرب السورية، وقد اتفقا على ضرورة وقف النار بين الأطراف المتصارعة وتنفيذ ما اتفق عليه في ميونيخ 12 شباط، للدفع بالوسائل الدبلوماسية للوصول إلى حل سياسي في سورية، ودليلا على أن هذه المصطلحات تعني عند الطرفين غير ما نعرفه، كان بوتين وأوباما يشاهدان سياسة الأرض المحروقة في حلب وريفها، التي توجه رسالة للمعارضة بجميع توجهاتها أنها بين خيارين: إما الجلوس على طاولة المفاوضات بأدب لهز الرأس على القرارات أو التهجير والموت والدمار.ولأن الموقف الأمريكي موافق على الحملة العسكرية الناتجة من التحالف السوري الروسي الإيراني تقف إدارة أوباما متفرجة من دون إجراءات عسكرية، وتبقى طائرات F15 الأمريكية التي تنطلق من قاعدة إنجرليك جنوب تركيا متوجهة نحو مناطق سيطرة الدولة الإسلامية الهدف المشترك لجميع القوى المتصارعة على الأرض.بل إن أمريكا قامت بالضغط على المعارضة السورية عن طريق وزير خارجيتها جون كيري للانصياع للشروط الروسية وقيودها خلال المشاركة في مسرحية جينيف3، وقالها بصراحة “هل تريدون أن نخوض حربًا من أجلكم” وهذا يدعو صاحب التفكير السليم إلى التساؤل: هل الخطة العسكرية الروسية كتبتها موسكو ثم اطلعت عليها واشنطن ووقعت عليها بـ good؟