منى الحاج |
بعد مرور أكثر من تسع سنوات على قيام الثورة السورية، ونتيجة لما حدث من قصف للمناطق الثائرة من قبل النظام السوري، نزح مئات الآلاف من المدنيين وعدد كبير منهم لجأ إلى الدول المجاورة، أو طلب اللجوء إلى أوربا، وبعد تلك السنوات التسع بدأت تطفو مشكلة عند الأطفال السوريين الذين بدؤوا التعليم في تلك الدول وهي ضعف اللغة العربية أو حتى عدم القدرة بالتكلم بها وإتقان للغة الأجنبية بدلاً منها، الأمر الذي بدأ يشكل قلقاً عند الأهل من أجل الحفاظ على اللغة الأم وبالتالي الهوية العربية.
ومن خلال عدة لقاءات أجرتها صحيفة (حبر) مع بعض الأهالي في تركيا الذين فقد أبناؤهم اللغة العربية وباتوا يتكلمون اللغة التركية بطلاقة التي احتلت مكان لغتهم العربية، تبين أن من أسباب ذلك، “اهتمام الأهل المُبالَغ فيه لتعليم أطفالهم اللغة التركية، ووضعهم في روضات تركية بعمر الطفولة الأولى، والتركيز عليها بقصد تهيئة الطفل للمدرسة بإتقان اللغة التركية، وخوفاً عليه من التنمر المدرسي الذي انتشر بشكل واضح بين الأطفال في المدارس التركية، إضافة إلى رجاء الأهالي أن يكون أطفالهم متفوقين دراسياً في المدارس التركية، والرغبة الكبيرة بالاندماج بالمجتمع التركي.”
وبالمقابل كان هناك إهمال كبير للغة العربية سواء أكان بالمنزل أو بمراكز التعليم، الأمر الذي خلق ظروفاً مواتية لهدم اللغة العربية وإحلال اللغة الأجنبية مكانها، لتغدو العربية بين مطرقة الغربة والتهجير وسندان الأسباب التي تُحتم على الأهل انتهاج تعليم أطفالهم اللغات الأخرى وترتيب الأولويات عندهم مع إهمال البعض للعربية في المنزل أو عدم إخضاع أطفالهم لتعلمها في معاهد أو أنشطة تساعد على ذلك.
ويُعد الحفاظ على اللغة العربية حفاظًا على الهوية العربية للطفل التي هي ثقافة مجتمعه بما فيها من قيمه ودينه، وهي أيضاً تعطيه شعور الانتماء لوطنه الذي ربما لا يعرفه، لذا فالموضوع بالغ الأهمية و يتطلب وعيًا من الأهالي لمنع انصهار الأجيال في تلك الدول ونسيان بلدهم الأم والحفاظ على اللغة العربية، إذ يتطلب الأمر منهم كأفراد بذل الجهود للحفاظ على هوية أبنائهم، وكذلك على الجاليات العربية والتجمعات العربية، وخاصة السورية، بذل الدور الكبير والفعال في المساهمة بالحفاظ على الهوية العربية من خلال النشاطات التعليمية والاجتماعية وغيرها من الفعاليات التي من المفترض أن تقوم بها.
ولا يعني الحفاظ على اللغة العربية إهمال اللغة الأجنبية، وإنما ألا نكون لغة على حساب أخرى، حيث إنه من المعلوم أن الإنسان قادر على تعلم عدة لغات دون الخلط بينها، إذ من المهم جداً تعلم لغة البلد الذي يعيش به الطفل التي هي لغة التعليم في ذاك البلد، لكن مهم أيضاً الاهتمام بشكل كبير بلغته الأصلية التي هي لغة بلده الأم، وبالحفاظ عليها يعني الحفاظ على انتمائه لبلده.
الذين يتعين عليهم الاهتمام بهذا الشأن، والعمل على إيجاد حلول، ومنع من تفاقم المشكلة، هم النخبة المثقفة ومنظمات المجتمع المدني السورية والجاليات العربية وكل من يعمل في مجال التعليم، حيث يقع على عاتقهم وضع خطة شاملة لأجل تعليم موازٍ للتعليم الرسمي في البلاد الأجنبية، ولأجل توعية الأهالي ومدهم بالطرق والوسائل لحماية لغة أطفالهم الأم من الذوبان أو الانزواء في تلك المجتمعات.
إن ظهور مثل هذه المشكلات يعتبر مشكلات مجتمع كامل وليست فردية، وإيجاد حلول لها قبل تفاقمها واجب المجتمع ككل للحفاظ على الوجود والثقافة في المغترب بما فيها اللغة والدين.