بعد تدهور كبير لليرة السورية أمام الدولار ووصولها مستويات متدنية جداً تُنبِئ بانهيار وشيك للمنظومة الاقتصادية في دمشق، وانعكاس ذلك على معيشة الناس بشكل مباشر بعيداً عن الطبقة الحاكمة والدائرين في فلكها، تحرك الجياع ليطالبوا برغيف خبزهم، خاصة بعد أن تمَّ مسح الطبقة الوسطى تماماً لتصبح معدمة، والطبقة الفقيرة لتصبح مشردة تماماً.
لا يمكن اعتبار الفقر حدثاً طارئاً، أو اعتبار ثورة الجياع حراكاً بسيطاً، فالجوع قادر على إحداث تغييرات ربما لا تستطيع أي مبادئ وثورات تحرر إحداثها، لأن الجوع هو ثورة في وجه حياة أقسى من الموت، فإذا لم يستطع النظام أن يطعم تلك الأفواه الجائعة فربما تكون الضربة القاضية لعرشه المتهاوي منذ تسع سنوات.
ربما يصبر الإنسان على الظلم من أجل لقمة عيشه والحفاظ على أولاده وعائلته، وهذا ليس معيباً، فقدرات الناس متفاوتة في مواجهة الاستبداد والظلم، لذلك نُسمِّي الثائرين من أجل حريتهم وكرامتهم أبطالاً، ولو كان الأمر سجية أي إنسان أن يثور ولا يحتمل الاعتداء على حريته وكرامته لما كان في الأمر بطولة، ولما حدث الاستبداد أصلاً.
وثورة الجياع هي ثورة حق، بل هي من أكثر الثورات تعبيراً عن حقوق الإنسان، إذ إنها ثورة للبقاء، وثورة من أجل العدالة حتى لو لم تصرح بذلك، لأن وجود العدالة يعني عدم وقوع الفاقة.
وإن الذين يقودون حراك الناس اليوم من أجل لقمة العيش هم أفضل ممَّن يسكت حتى يموت قهراً وذلاً، وإن ثورةً إن تمت من أجل الخبز لقادرة أن تحمل في رغيفها كل القيم التي تقاتل من أجلها الثورات، وستمنح فرصة جديدة عند من يريدون القتال والثورة من أجل مبادئهم ليعودوا من جديد، لكن هذه المرة معهم حجة بالغة وهي الأمعاء الخاوية والبطون الجائعة، يستطيعون بها حشد الناس وقيادة حراكهم من أجل كلّ القضايا جملة واحدة، ومن قال إن هذه القضايا عليها أن تتفرق؟!!
سيدرك النظام خطورة هذه الثورة وسيعمل على كسرها قبل أن تتفاقم، وعلى كلِّ الذين يريدون استمرارها أن يقفوا إلى جانبها ويتوقفوا عن السخرية من الثائرين، ويشدوا من عزيمتهم، ويحتضنوا حراكهم، فهم بالنهاية أبناء هذا الوطن شاء من شاء وأبى من أبى.
المدير العام | أحمد وديع العبسي