داود البصريلعقود زمنية طويلة ظلت معاناة الشعب السوري مخفية عن الرأي العام العالمي الذي كان لا يبالي بما يدور خلف أسوار معتقلات الفروع المخابراتية الرهيبة، التي أمعنت قتلا ودمارا وتشريدا للسوريين وقواهم السياسية والمجتمعية منذ الانقلاب الفاشي الأسود للجنة العسكرية في الثامن من مارس 1963، والذي فتح على السوريين بوابة جهنم وأدخلهم في نفق دكتاتوري استبدادي حافل بالتصفيات والدماء لم يزل مستمرا حتى اللحظة!لقد قدم السوريون قرابين وتضحيات رهيبة في صراعهم مع النظام الاستبدادي الذي ضيع الأرض والكرامة وتسبب بهزائم ثقيلة عانى منها الوطن والإنسان السوري الذي تحول لحقل تجارب لسياسات فاشلة وعقيمة بدأت بالاشتراكية العوراء وانتهت بالاستغلال التام لخيرات الوطن السوري وتحول النخبة الحاكمة لحوت اقتصادي أفقر السوريين ودفعهم للهجرة، وجعل منهم أداة طيعة للاستغلال والنهب، لقد مارس أحرار سوريا أدوارهم النضالية والكفاحية وقدموا ما يستطيعون في مقاومة النظام الفاشي الذي كان يعتاش على الشعارات الوهمية والمخادعة للصمود والتصدي والتوازن الاستراتيجي، بينما حقيقته كانت غير ذلك تماما، حيث شهدت سوريا انتفاضات وتحركات جماهيرية عارمة فتحت خلالها السجون والمعتقلات الرهيبة وأبيدت أجيال كاملة من السوريين في أحداث 1964 و1966 و1968 و1970 و1978 و1980 و1982… وصولا لانفجار الثورة الشعبية السورية في الخامس عشر من مارس عام 2011، وهي ثورة عبرت عن كل عذاب السنين، وفضحت المستور، وكانت استفتاء جماهيريا حاسما ورافضا للنظام القمعي الذي حرص على إرسال رسائل الموت بتقطيع أطراف وأصابع أطفال درعا ثم قتل الأطفال كالطفل حمزة الخطيب الذي تناساه العالم اليوم وآلاف أخرى من الشهداء الأكرم منا جميعا!واليوم حينما تتحدث المنظمات الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان عن جرائم النظام فهي لا تضيف جديدا بقدر ما توثق حقائق كان يعرفها العالم المنافق ولكنه يغض البصر عنها لمصالح معروفة للجميع، اليوم سقط القناع عن المجرمين ووضحت حقائق مروعة لا يمكن أن تظل أبد الدهر طي النسيان أو التجاهل، فمحرقة الإنسان السوري على يد النظام الفاشي تؤكدها طبيعة النظام الاستخبارية بفروعه التعذيبية المرقمة والمشفرة، وكانت لي شخصيا تجربة مريرة في دخول تلك السراديب والمعتقلات لذلك أعرف جيدا معاناة السوريين الرهيبة التي لا يتصورها بشر في هذا الكوكب وهذا الزمن، واليوم وبدلا من أن يقف المجتمع الدولي والدول الكواسر وقفة إنسانية مسؤولة لتضميد جراح السوريين وشد أزرهم، نرى طائرات الإرهاب الروسي تحرق بشدة جثث الأطفال وتمارس عمليات الإبادة الشاملة، وتوفر للنظام المجرم غطاء دوليا لإرهابه وجرائمه!لقد بلغت الوحشية الروسية مبلغا صعبا بعد أن تحول الشعب السوري بأسره ليكون هدفا مباشرا لآلة الحرب الإرهابية الروسية التي تعمد لحرب إبادة شاملة للبشرية ذهب ضحيتها الأطفال والمدنيون ولم تراع فيها قواعد الاشتباك ولا أي التزامات أخلاقية!، إنها الحرب البربرية المتوحشة التي يمارسها الروس بهدف الانتقام من الشعب السوري، وقد أسفرت حملات الإبادة الجوية الوحشية في القاطع الشمالي من العمليات حول مدينة حلب عن نتائج متوحشة ومؤلمة لدمار شامل يتفرج عليه العالم ولا يتدخل لوضع حد للمأساة الإنسانية الرهيبة في أقذر وأشنع حرب إبادة مصدق عليها دوليا للأسف.ما يحصل مريع ويؤكد أن حكومة موسكو فقدت أخلاقياتها المفترضة بالكامل وباتت تمارس عمليات بلطجة وجرائم ضد الإنسانية متذرعة بتبريرات سقيمة حول محاربة الإرهاب، بينما تمارس الآلة العسكرية الروسية أبشع أنواع الإرهاب الذي لم تقف بوجهه أي قرارات دولية ملزمة بالدفاع عن الإنسانية التي تنتهك يوميا، العدوان البربري على الشعب السوري تكفل به الروس والإيرانيون وعصاباتهم الإقليمية التي باتت تتنقل بحرية في الشرق القديم لتمارس القتل والإبادة في مشهد بربري يعيدنا لأحط عصور التوحش والبدائية، الشعب السوري يتعرض لحملات إبادة ممنهجة، وقد آن الأوان لأن تقف الدول الكبرى موقفا أخلاقيا متناسبا مع شعاراتها ومبادئها الديمقراطية المعلنة. كفى قتلا وإرهابا بحق المدنيين والأطفال، فسوريا في طريق الإبادة الشاملة والعالم في غيبوبة أخلاقية للأسف.. وتلك قاصمة الظهر! من ينجد المحرومين؟نقلا عن صحيفة السياسة الكويتية