هناك مشكلة في الحالة السورية تحول دوماً دون رؤية الصورة الكاملة، أو العمل على المشاريع ذات المدى البعيد باحترافية متميزة، ذلك أن العقلية السورية تريد كل شيء دفعة واحدة فلا ترسم خطواتها بهدوء وثبات، وإنما دائماً يكون لنفس المشاريع ذات الطابع الاستراتيجي خط آخر لمواجهة ظروف الواقع ليس بعيداً بما فيه الكفاية عنه، وكثيراً ما يتقاطع بالأشخاص!!! وأنت لا تستطيع عزل أي شخص انفعالياً ونفسياً عن ظروف الواقع مهما كان مدرّباً .. إذا كان يعمل بها بشكل مباشر بطريقة ما . وبنفس الوقت يتصدى لمشروع استراتيجي .
في معظم الأحيان وبسبب الشغف للإنجاز يقع المشروع بعيد المدى في فخ أداة التعامل مع الواقع ليصبح تدريجياً جزءاً منها، يتلقى نفس الضربات المهلكة التي صُنعت الأداة لتلقيها وامتصاصها والتعامل معها بعيداً عنه، والتضحية في سبيله إن لزم الأمر .
لتتحول الاستراتيجيات إلى ردود أفعال مختلفة في شدتها، ويبدأ المشروع بالترنح بشكل كامل، ومن ثم الانهيار إذا لم تتم معالجة المشكلة .
ينصح من أجل ذلك بالتخلي عن هذه الأداة، أو وضعها بعيدة كفايةً عن المشروع الاستراتيجي، والتفرغ للتخطيط المريح والهادئ، وخلق مشاريع مستقلة لهذه المواجهات يتم التعامل معها بإنشاء التحالفات ذات النفعية المتبادلة، وليس المصير المشترك .
لا تختلف الاستراتيجيات العسكرية في رسمها عن هذه الصورة، مازلت أرى أن الحرب لم تعد تقليدية، ومن يتصدون للمواجهة المباشرة على الأرض غير قادرين على رؤية الصورة الكاملة لما يجري حولهم، الدماء ليست رخيصة، ويجب التفكير بروية في آليات حرب جديدة تستطيع انهاك العدو الذي صار يستخدم ترسانة متطورة جداً على رأسها الغطاء الجوي الروسي الناري، الذي يتبع سياسة الأرض المطوية، وهي تتلخص في الإبادة الكاملة بالإضافة لضرب الأهداف المركزة، والبنية التحتية التي تجعل المكان غير صالح للمعيشة إطلاقاً، وبالتالي يجبر الأهالي على النزوح، فلا مشافي ولا مدارس ولا مسعفين، ولا مياه أو كهرباء او أي شيء.
هي حرب مختلفة، فلا تعاملوها بنفس الطريقة التقليدية السابقة، وإلا فإن النصر سيبقى بعيداً …
المدير العام / أحمد وديع العبسي