بقلم : آية باقيكان الزواج قبل الثورة هدفاً بعيد المنال للشاب الأعزب، لأن الزواج كان مشروعاً ضخماً يحتاج الى ميزانية مادية كبيرة وكان يستثنى في هذا المشروع الوضع العائلي والمؤهلات الدراسية أو المهنية أو حتى المشكلات الصحية، فكان السؤال الدائمهل لديه منزل يملكه؟ هل لديه سيولة مادية؟ هل لديه الاستطاعة لشراء الذهب؟ولهذا عزف كثير من الشباب عن الزواج وأدى ذلك إلى انتشار العنوسة بين الفتيات.ولكن بعد أن قامت الثورة السورية وهُدمت المنازل وشُرّدت العائلات، تحوّل الزواج إلى ظاهرة تنتشر في كل مكان، وأخذ كل أب كان محتفظاً ببناته ومتشدداً في نقدهن بتزويجهنّ لإراحة باله من مسؤولياتهنّ ومن عبئهنّ عند النزوح والتنقل من منطقة لمنطقة، فتساهل الأهل بالمهر وبالممتلكات المطلوبة باسم الشاب المتقدم للزواج وكانت الثورة “طاقة فرج” للشباب ذكوراً وإناثاً، بعد أن أخذ الأهل بتزويج أبنائهم على المقولة المشهورة في المناطق المحررة “تزوج بمحبس” ولم يبقَ أثرٌ للسؤال المعتاد: هل لديه منزل يملكه؟ وراح كل شاب يتزوج في بيت أحدٍ من أقربائه أو أحد من أصدقائه النازحين.والمشكلة الحقيقية لا تكمن في الأهالي ولا في الشباب إنما تكمن فيما كنا عليه سابقاً من جهل بالدين وثقافة التمسك بمظاهره وترك مضمونه، الأمر الذي عمل عليه حزب البعث وعائلة الأسد لعقود من الزمن عن طريق نشر الثقافات المضلّة عن طريق ” الأنشطة ” في المدارس والجامعات أو عن طريق وسائل الإعلام التي كانت رهن أمره وطوع بنانه فكانت النتيجة ابتعاد الناس عن مضمون الدين الإسلامي كل البعد كتواضع النفس والقناعة واختيار الزوج والزوجة حسب مقياس الصلاح وحسن الخلق بل كان هذا الاختيار يخضع لمقاييس الربح والخسارة كالصفقات المادية ، ولم يكن في ذلك العهد ثقافة أن يكون مهر الفتاة حفظ القرآن أو كفالة يتيم في حال كانت الأحوال المادية لحسن الدين والخلق متواضعة.ولكن يبقى السؤال المؤرّق بعد التساهل الحاصل في أمور الزواج الذي نراه اليوم هل تغيّرت الثقافة طوعاً وعاد الناس إلى ما أمرهم به دينهم ونبيهم “إن جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه” أم ما يحدث اليوم من تساهل في الزواج هو التغيير كرهاً واعتبار الزواج حلاً إسعافياً نتيجة تدهور الأحوال المعيشية؟هل سنعود إلى ما كنّا عليه بعد رفع الابتلاء الواقع علينا من اعتبار الزواج صفقة مادية؟ أم سنتغير ونعتبره مشروع لولادة عائلة بهدف محدد على مقومات الدين الصحيح؟وهل سنعود للتظاهر بالعلو في التدين ونحن في الدرك الأسفل من الجهل بمضمونه وتعاليمه؟هي أسئلة يجب أن نجيب عليها لنعلم هل بدأنا نجني ثمار الثورة في تغيير دائم لأنفسنا وبذلك تكون الثورة قد بدأت تؤتي أكلها، أم أن كل ما يحدث هو تغيير مؤقت ونفاق سينتهي عندما تضع الحرب أوزارها.