بقلم : رئيس التحريرلطالما وقفت الولايات المتحدة الأمريكية أمام مرآتها السحرية تستمع إليها وهي تقول : أنتِ أجملُ سيدةٍ على هذه الأرض ، وإنَّ العالمَ كلَّه في يمينك ، والشمسَ في يسارك توزعين الدفء على من تشائين ، وعلى أقدامك ينحرُ عشَّاقُك قرابينَهم .وفي سبيل المحافظة على ذلك الجمال المصطنع كانت السيدة أمريكا تغطس جسدها كلّ صباحٍ في مغطس الحليب الذي قُطع عن أفواه ملايين الأطفال قبل أنْ تحضرَ اجتماعاتها في مجلس الأمن ، وقبل أنْ تقابلَ عشّاقها في مبنى الكونغرس ، وكانت تطلي أظافرها الطويلة بلون أحمرَ قانٍ يشبه دماءَ الفلسطينيين ومأساةَ الهنود الحمر قبل أنْ توجّهَ رسائلها الغرامية إلى أحبائها .هذه هي سياسة أمريكا في الحفاظ على جمالها وقوّتها ، تشنُّ الحرب على شيخوختها ، كما تشنُّ الحرب على القوى المشبوهة ، في إطار ما يسمى بالضربة الاستباقية أو الهجمة الوقائية قبل حلول الكارثة ، وقد أكدت الإدارة الأمريكية تبني هذه الطريقة البوشيّة الأوباميّة للسيطرة على ما تبقى من العالم والقضاء على الإرهاب .وقد تلقت أمريكا آلاف الهدايا القادمة من الشرق ، فيها كريماتٌ سحرية ووصفاتٌ طبية تحافظ على البشرة ونعومتها ، وتخفي البشاعةَ في ستة أيام ، ولكنَّ أثمنَ هديةٍ قُدِّمت إليها كانت من عند ( عناتر ) العرب ، إذ قدّموا العراقَ كبشًا مذبوحًا على طبقٍ فضيّ يسيل من فمه النّفط و الدماء ، لتصبحَ محبوبتهم السيدةَ الأولى نفوذًا وجمالًا مما يمكنها من دخول مسابقة أجمل دولة وأقوى دولة في العالم .وفي يومٍ آخرَ استيقظت السيدة المغرورة لتخبرَها المرآة أنَّ التجاعيدَ بدأت تتسلل إلى عنقها ، وأنَّ اللون الأبيض يشتعل في شعرها الذهبيّ ، وأنَّ في كلِّ مدينةٍ مسلمة ، وفي كلِّ قريةٍ عربية انتفاضةً جديدة وثورةً وليدة ، تريد أنْ تحوّلَ القطيعَ إلى بشر ، والعبيدَ إلى سادة ، والجرحَ إلى حديقة ياسمين .سارعت العجوز إلى هاتفها تهتف إلى عشاقها العرب من زعماء كرتونيين ، ورؤساء ورقيين ، وملوك وأمراء ممثلين في مسارح كراكوز ، ليقدموا خدماتهم في وأد الثورات ، ويثبتوا فحولتهم في الحفاظ على ما تبقى من أنوثة سيدتهم ، مراهنة على رجولة الأنظمة العربية والمسلمة في ترويض شعوبها ، ولكن قسمًا كبيرًا من الزعماء كان خارج التغطية ، ومنهم من بدّل رقم هاتفه ، لأنهم أصبحوا – ولله الحمد – في مرمى نيران المجاهدين بعدما زالت شرعيتهم وكشفت سوءتهم .تُرى ، هل تنتقل أمريكا من الوقاية إلى العلاج ، من الجوّ إلى الأرض ، من مساحيق التجميل إلى عمليات الجراحة ؟فلتعلمْ أمريكا وحلفاؤها أنَّ الجمال المصطنع والبراءة الكاذبة والعذرية المتَوهّمَة كذباتٌ لا يمكن أنْ تستمر ، وأنَّ الحقَّ ظاهر والباطلَ زاهق ولو بعد ألف ألف عام .