علي سندة |
ثمة من يفكر بطريقة الأحكام المسبقة على الأشياء بشكل عام ويفوت الكثير من الفرص على نفسه، تلك الطريقة بالتفكير تنعكس بشكل مباشر على صعيد حياة الفرد الشخصية وربما مستقبله، ولتوضيح ذلك أكثر نأخذ المثال التالي: غالبًا ما ينتابنا نوعان من الشعور في حالة إدراك حافلة الركوب العامة عندما تكون في مرمى نظرنا ونحن بعيدون عنها ونحتاج المشي تجاهها لإدراكها والركوب بها، الشعوران هما: اللحاق بالحافلة وعدمه، وهما مرتبطان بمصدرين: الأول متعلق بالشخص نفسه، وهو مصدر داخلي يمكن التحكم به، والآخر متعلق بالحافلة ومضيها أو بقائها، وهذا مصدر خارجي لا نستطيع التحكم به، وبين المَصدرين تكمن الحقيقة التي تُمثل استغلال سعي الفرد من عدمه.
تبدأ معادلة اللحاق بحافلة الركوب على الشكل التالي: من بعيد يرى الفرد الحافلة، ويرى صعود الناس إليها، وهنا يأخذ الفكر منحيان بالتفكير (سلبي، وإيجابي) فأما السلبي فيكون بتذكر الفرد كل ما هو سلبي يحثه على عدم اللحاق لأنه اعتاد الأحكام المسبق على الأشياء في حياته التي بدروها تكوَّن السلبية تجاه النظر إلى الأشياء، كتصوره عندما يرى من بعيد أن آخر شخص استقل الحافلة ستنطلق بعده فورًا، وأن الوقت المخصص لانتظار الركاب على الموقف قد انتهى، وأن المسافة التي تبعده عنها لا تكفيه إن مشى تجاهها للحاق بها، ثم يخلق مبررات أخرى لنفسه إرضاءً لذاته المهزومة بأن الحافلة أصبحت مزدحمة، إلى أن ينتهي به الأمر بالسير ببطء والوصول إلى الموقف وانتظار الحافلة الأخرى. وفي هذه الحالة سيطر التفكير السلبي على الفرد وتم تعطيل السعي وتناسى الفرد كل شيء إيجابي يساعده على اللحاق بما يريد، بل عطَّله بملء إرادته دون أن يدري، وبالتالي ألغى كل مصدر داخلي يساعده على الوصل وحكم على المصدر الخارجي الذي من الممكن أن يكون إيجابيًا بأنه سلبي.
وأما التفكير الإيجابي فيكون متصلًا بكل ما يُوصل الفرد إلى غايته، كأن يسرع السير، ويتصور وجود وقت كافٍ، وأن الحافلة ماتزال تنتظره حتى لو صعد آخر رجل موجود في الموقف، بل يُفكر ذلك الفرد بأشياء تساعده على نفي السلبية، كأن يحاول السير من زاوية يُظهِر بها نفسه للسائق من خلال المرآة، والتلويح له بيده لانتظاره، إلى أن يصل ويصعد الحافلة ويمضي إلى وجهته، وإن لم يدرك هدفه ومشت الحافلة فحسبه أنه سعى وعمل ولم يخلق الأعذار ولم يفوت فرص النجاح واستغل كل العوامل المساعدة.
ذلك المثال لحافلة ركوب المواصلات العاملة اليومية، فما بالنا بحافلة الحياة؟! هل نحن مدركون لغايتنا ونعرف سبب وجودنا؟! وعلى المستوى الشخصي هل وضع كل فرد خططه لتحقيق ما يريد وبدأ السعي للوصول؟ أم أنه استسلم للسلبية وكوَّن من محيطه مبررات يُرضي بها ذاته؟ كأن يتأسى بالآخرين الذين فشلوا في الهدف ذاته إلى أن ينتهي به القول: “فلان حاول ولم يستطع وأنا فعلت ما عليَّ فعله والباقي على الله” علمًا أنه لم يفعل شيئًا سوى تعطيل قدراته بالسلبية المكتسبة من المُحيط وإشباعها بعامل ديني هو تحكيم قضاء الله دون العمل.
كثير من الأهداف يعرفها الفرد وهي واضحة أمامه، لكنه عبَّد طريق الوصول إليها بالأعذار بدل الأسباب التي سيأخذ بها لتحقيق الهدف، فضلًا عن تكوين الحكم السلبي المسبق بدل المحاولة وإعمال العقل واستغلال كل الظروف.
إن أدوات إدراك الغايات والأهداف ليست سرًا أو حكرًا على أحد، هي كامنة في داخل كل شخص، تلد معه على الفطرة، لكن الشخص هو من يعطلها ويظن أنه غير قادر على تحقيق شيء نتيجة تدخل الظروف الخارجة عن سيطرته ونسيان وجوب العمل أولًا الذي هو مصدر داخلي خاص بالفرد، عند ذلك يحقُّ للفرد قول: “فعلت ما عليَّ والباقي على الله”.