عمار العلي |
عانى الشعب السوري على مدار سنوات في ظل الحرب الدائرة من صعوبة الحصول على المياه النقية الصالحة للاستعمال بسبب انقطاع خدمتها عن المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام.
بعض مناطق الشمال السوري تحصل على المياه التي تؤمنها بعض المنظمات الإنسانية مثل منظمة (غول) التي تتبنى مضخة (العين الزرقاء، ونبعة حارم) إلا أن القسم الأكبر لا تصله هذه المياه، مما أجبر الناس على إيجاد مصادر أخرى لتأمين المياه ومنها الصهاريج التي تجلب الماء من الآبار الارتوازية الأهلية، لكنها غير آمنة للشرب بسب عدم وجود رقابة من الجهات المختصة، وكذلك ارتفاع قيمة الحصول عليها بسبب التكلفة العالية لإخراجها وغلاء الوقود.
وتكمن المشكلة الأهم في تلك المياه التي تنقل عن طريق الصهاريج عدم خضوعها للرقابة الصحية والمعالجة والفلترة، إذ تحتوي هذه المياه على نسبة عالية من الكلس الذي يعتبر المسبب الأساسي لما يسمى الرمل والحصى الكلوية، وكذلك احتواؤها على كمية كبيرة من الأحياء المجهرية التي تسبب الالتهابات المعوية والكبدية والكلوية التي تصيب الإنسان والحيوان.
التقت صحيفة حبر مع الدكتور (حسام الشامي) المختص بالطب الداخلي، حيث قال لنا: ” إن الاسهالات التي يعاني منها الناس في المخيمات هي بسبب الميكروبات ومنها الجيارديا والاشريكيا القولونية وغيرها، والتي تنتقل إلى الإنسان عن طريق الطعام والشراب الملوث، كما أن مرض شلل الأطفال يمكن أن يصيب الإنسان عن طريق المياه الملوثة.”
وعند سؤالنا له عن طرق الوقاية أجاب بقوله: “يجب تعقيم المياه بشكل جيد، وتعقيم الصهاريج وإنشاء صرف صحي جيد في المخيمات كي لا يحدث اختلاط بين مياه الآبار والصرف الصحي.”
وكذلك قد تسبب المياه الإصابة بالكوليرا والبلهارسيا وغيرها، وكذألك قد تكون المياه ملوثة من المجارير بسبب الحفر العشوائي للآبار الجوفية، صحيفة حبر التقت مع الدكتور (حمزة النجار) الذي قال: “إن المياه الجوفية بطبيعة الحال مياه معقمة ولا يوجد فيها بكتريا أو جراثيم، ولكن ممكن أن يكون هناك صرف صحي قريب من أحد الآبار أدى إلى الثلوث، أو يكون التلوث ناجمًا عن عدم الاعتناء بنظافة صهاريج النقل.” وأضاف أنه “يجب إخضاع تلك المياه للرقابة الصحية، وتحديد إذا ماكنت ملوثة أم لا.”
وثمة قسم من الناس يحصلون على المياه بطريقة بدائية، إذ يعتمدون على مياه الأمطار التي تنزل في فصل الشتاء بجمعها من الأسطح التي تكون موصولة إلى آبار تقليدية عن طريق أنابيب خاصة. (موسى الأحمد) أحد سكان جبل السماق يقول: “منذ تسع سنوات تقريبًا لم تأتنا مياه الشرب عن طريق الحنفية، وعانينا الكثير من الصعوبات لتامين المياه بسب طبيعة الجبل والتكلفة العالية لنقل المياه، وقد لجأنا إلى جمع مياه المطر في الشتاء ضمن آبار تقليدية.”
وتكمن هنا مشكلة كبيرة؛ لأن تلك المياه غير آمنة للشرب وممكن أن تكون ملوثة بشكل خطير بسبب طريقة جمعها وتخزينها، وبالرغم من علم الناس بخطر هذه الطريقة إلا أنها خيارهم الوحيد بسبب التكلفة الباهظة لجلب المياه إلى مناطقهم التي يتعذر وصول مياه الشركات إليها وعدم القدرة على حفر الآبار الجوفية، وكذلك لأن تلك المناطق ذات طبيعة وعرة وبعيدة عن أماكن وجود الآبار.
كما أن قلة وجود الماء وصعوبة الحصول عليه في المخيمات العشوائية النائية أدى إلى ظهور أمراض منها (الجرب) وغيرها، وقد التقت صحيفة حبر مع (خالد الأحمد) مدير مخيم في ناحية أرمناز الذي قال: ” مخيمنا يعتمد بصورة رئيسة على مياه الصهاريج التي تجلب لنا من الآبار القريبة التي بالكاد تكفي احتياج الناس بالشتاء فكيف يكون الحال في الصيف، وكذلك بعض الناس لديهم مواشي وتحتاج كمية كبيرة من المياه وهذا يشكل صعوبة وتحديًا للناس.”
ومما تقدم ذكره نرى أن مشكلة قلة المياه وتلوثها أمر خطير يهدد تجمعات سكانية كبيرة، خاصة في ظل النزوح والتهجير، مما ينبغي على المنظمات الصحية والجهات المعنية إعادة النظر في هذه المشكلة ووضع الحلول المناسبة لها.