بقلم د. عمر نتوف
النفس البشرية لا تحب العقبات والتحديات، ولا تحب الضغوط والالتزامات، بل تحب الراحة واليسر والانطلاق دون قيد، كالطفل الصغير.
ولكن هل من الممكن في هذه الحياة أن نحصل على كل شيء بغير عقبات أو تحديات أو ضغوط…؟
لو أردنا أن نستمر بنجاحٍ، يجب أن نجيب إجابة صادقة …
في هذه الحياة لا توجد راحة مطلقة بلا عقبات أو منغصات أو امتحانات، وقد جعلها المولى عزّ وجلَّ خطوات إجبارية لنمو النفس البشرية.
الضغوط هي تحدٍ مهمٍ و نظامٍ كوني لا يمكن لأي إنسان أن يعيش و يستمر من دونه، و هي امتحان إلهي، الغرض منه أن تخرج منتصراً و أكثر قوة، و ليس مهزوماً و ضعيفاً.
إذاً ما المشكلة؟ وكيف يمكن أن نمرَّ بالضغوط دون أن توقف سير حياتنا أو تعرقلها؟
المشكلة هي أنَّنا لا نتعامل مع الأمر بوعي كافٍ ومناسب لحجمه، فنحن ننتظر حتى نصل إلى مرحلة التوقف والإجهاد، وهذه لا تكون إلا بعد أن تراكمت الضغوط إلى درجة كبيرة، ونحن لا ندري بتراكمها ولا نفرِّغ شحناتها مباشرة.
هناك ثلاثة ممنوعات علينا تجنبها لنستطيع الاستمرار بنجاحٍ على الرغم من ضغوط الحياة
– دعونا لا نتجاهل وجود الضغوط في حياتنا.
– ولنتعامل مع الضغوط مباشرة.
– وعلينا الحذر من ترك علامات الضغوط تظهر علينا.
إذاً: هناك واجب علينا تجاه أنفسنا إذا كنَّا نريد أن نستمر بنجاحٍ في هذه الحياة، نتعرف على علامات الضغوط على أجسامنا، و لا ننكر تأثيرها حتى تصل إلى درجة الإجهاد المزعج، وعلينا ألا نتوقف عن تفريغ شحنات الضغوط اليومية بشكل مستمر، و لنتذكـر أنّ الله لم يمنحنا قدمين إلا لنقف بهما شامخين بقوة في وجه الريح، و لم يعطنا العقل إلا لننتصر في معركتنا مع أنفسنا، و ننطلق في آفاق النجاح و الفلاح.
دعونا نتقبل المشاكل مسلِّمين لقضاء الله وقدره، وبراحة نفسية، لأنَّ الله يختبرنا ويمتحننا ليرفع درجاتنا.
وبهذه الطريقة لا نسمح للمشاكل بالسيطرة علينا، ونَدْعُو الله أن يعيننا ويمنحنا الشجاعة لفعل ذلك.
يحكى أنَّ ملكاً في إحدى الممالك القديمة، كان لديه مستشار حكيم كلما حلَّ بالمملكة أمر جلل كان يقول: (كله خير)وكان الملك يعشق هواية الصيد، وفي يوم من الأيام كان الملك يمسك بأداة معدنية حادة ثقيلة الوزن تستخدم في الصيد، فوقعت هذه الأداة على قدم الملك، فقطع إبهام قدم الملك اليمنى على الفور، و كان المستشار الحكيم يحضر هذا الموقف، فقال للملك (كلّه خير).
فغضب الملك من المستشار أيّما غضب قائلا: (لقد بترت إصبع قدمي، وأنت تقول لي: كله خير؟!
أين الخير في قطع إصبع قدمي؟! أتهزأ بي أيها المستشار؟ خذوا هذا المستشار إلى السجن، وضعوه في زنزانة لوحده حتى يكفَّ عن هذه المهزلة.)
وعندما كان الحرس يأخذون المستشار الحكيم إلى السجن ردَّد (كلّه خير) فاستشاط الملك غيظاً
وبعد فترةٍ شُفي الملك، وقرَّر أن يذهب مجدداً إلى الصيد ليصطاد الغزلان.
وعندما كان الملك يلاحق أحدى الغزلان، تاه في الغابة و ابتعد عن موكب الحراسة الملكي، و لم يبق مع الملك سوى عدة أشخاص و المستشار الجديد، و بينما هم يبحثون عن طريقٍ ليعودوا إلى الموكب الملكي، وجدوا أنفسهم محاطين بمجموعة من الرجال يعبدون آلهة مصنوعة من الحجارة، فأخذوا الملك و من معه ليختاروا منهم شخصاً مناسباً ليقدموه قرباناً للآلهة، فوجدوا أنّ الملك هو أكثر شخص مناسب، لجماله وصحته الوفيرة، وعندما وجدوا بأنَّ إبهام قدمه اليمنى مبتور، أجمعوا أنَّه لا يليق أن يُقدَّم كقربان، لأنَّه ليس بكامل الأوصاف، فتركوه و بحثوا عن شخص آخر ليقدموه، فوجدوا المستشار الجديد أكثر شخص مناسب لذلك، فقدموه قرباناً لآلهتهم، و أطلقوا سراح الملك و من بقي معه.
وعندما عاد الملك إلى مملكته تذكر من فوره مستشاره الحكيم، فنادى بالحرس: أحضروا لي مستشاري الحكيم، فحكى له القصة وقال له: فعلا إنَّ ما حصل معي كله خير، لقد كانت نجاتي في قطع إصبع قدمي،
ولكن أريد أن أسألك سؤالاً: أين الخير في دخولك السجن؟
فقال له: أيّها الملك لو لم أكن في السجن لكنت قد ذهبتُ معك في رحلة الصيد، وقُدمت قرباناً للآلهة.
إنَّ الأمور الخارجة عن سيطرتنا هي خير بإذن الله، لذلك لا تنشغلوا بشيء ليس بإمكانكم أن تغيروه، و لو اطلعتم على الغيب، لسجدتم لله شكراً على القدر الذي ظنناه شرا، وهو في مضمونه كلّه خير.