علاء العلي |
تشهد منطقة الشّرق الأوسط تحوّلات جذريّة، خريطة مصالح تتقاطع وأخرى تتعارض، لترتسم معها أحلافُ المصالح وأحلافُ العسكر، مع قدرةٍ فريدة على التَّحوُّر مع سخونة المشهد، لكنَّ الثَّابت الوحيد هو ديمومة المنفعة والأمن الذي يعتبر أساس كلّ توافق.
تجد روسيا في الوقت الحاليّ بأن تركيا حليفًا اقتصاديًا متناميًا على سلّم التقييمات العالميّة، ما يشجعها على بناء جسور اقتصادية متينة، تقوى وتشتدّ هذه العلاقات مع تصخّم الفوائد التي يجنيها الطّرفان عبر مشاريع عملاقة، فخطّ السّيل التّركي الذي تمّ تدشينه بين البلدين أمَّن تدفُّق سيل الطّاقة للغرب الأوروبِّي وأصبح من أهم المشاريع الرّائدة على مستوى العالم، الأمر الذي دفع بالروس لتطوير محطّة نووية للتّخصيب السلميّ للطّاقة النّوويّة، فهذه وغيرها قد تمّت حقيقة لتردفها صفقات عسكرية كمنظومة الدّرع الصّاروخيّة الجوّية S400 التي أغضبت أمريكا.
المتتبّع لتنامي اقتصاد البلدين يتوقّع استحالة أي خلاف في مقبل الأيّام، وخصوصاً أنّ ما يزيد عن 10% من اقتصاد الروس مصدره تركيا وحدها، فهي بذلك تشكّل رديفاً مهمّاً جداً يُخَيّل لنا استحالة وقوع أي خلاف، بل يُتوقع وأده قبيل تشكلّه.
إلا أنه حدث لوجود براغماتية عاليّة جداً يتمتّع فيها زعيما البلدين استطاعت أن تفصل بين الاقتصاد والسّياسة، وتأمين حدود بينهما، حتى تستمرّ عجلة الاقتصاد، وتبقى كافّة الأطراف بزخم سياسيّ عسكريّ واضح خارج أراضي البلدين، فرغم هُوَّة الخلاف الحادّ بينهما في سوريّة وليبيا؛ إلا أنهما بقيا على المسافة نفسها من حيث التّنمية.
اختبار إدلب مطبٌّ حقيقيّ لاختبار مدى متانة هذا الجسر، بين الدّيمومة وبين الانهيار خيارات يدعم كل منها الآخر بمؤشّرات الميدان، فلا يمكن التّنبّؤ بها بالمطلق، فساحة حرب مثل إدلب وليبيا تشكّل اصطداماً مباشراً بين الطّرفين، فهل سيصمد هذا الحلف؟!
تدرك تركيا تماماً أن دولاً مؤذية جداً ومعادية لسياساتها في المنطقة، قادرة أن تضخ لروسيا من ميزانياتها المفتوحة للتخريب والتدمير أضعاف ما تقدمه تركيا، في محاولة لسحب بساط الروس الذي تعبر فوقه مصالح الأتراك، حلف مهدد بالإغراق، فروسيا تؤمن بالمادة فقط، ومن يدفع أكثر سيكون هو المقرب من قيصرها.
حلف هشٌّ مع كثرة الوشاة ورعاة التدمير والتخريب ، يدفع بتركيا قدماً نحو حلف مغيّب عن المشهد، لتصدره للعالم بحجمه الطبيعي، و لعل ما ذهب إليه أردوغان في جولته الخاطفة لباكستان أعظم برهان على ذلك، فليس النّاتو من يخمد الحروب، وليست أمريكا بأضوائها الخضراء مصدر أمان بالنسبة إلى الأتراك، فتعويم اتفاقية الدفاع المشتركة بين البلدين تشي بالتأهب لأي احتمال عسكري وشيك في مناطق النزاع، ليلتحق بهذا الحلف الذي ينطلق من جذور دينية بالدرجة الأولى دول جديدة تنظر إلى تركيا على أنها رائدة العالم الإسلامي وبلد قادر على القيادة و تحقيق استقرار الشعوب وحريتها من وثن الأنظمة الديكتاتورية.
حلفٌ وليد، يقف بحزمٍ أمام تهديدات هذه الدول، يشكل محفّزاً جدّيّاً لبقايا الشعوب الحرّة وما تمثله من منظومات حكم وتيارات سياسية ودينية أن تشكل رديفاً بشرياً قادراً على إظهار قوّة الشعوب الحرّة، التي ستسحق بمحصلة مجهوداتها فكرة أن العالم أكبر منها.
لم تعد تركيا تقع في فخ الاقتصاد والتلويح بإضعافه لدفع خطر يتهدّدها مع بزوغ كل عملية عسكرية لثَنيِها عن قراراتها، إذ إنها دأبت على رأب تصدعات الاقتصاد إن تمّ بإضافة دولة قطر للحلف المتشكل، والتي كما يبدو ستُعنى بتقوية مؤشرات أسواق المال التركية و دعمها لتثب نحو أهدافها بزخم قوي من حيث الجبهة الداخلية الشعبية المتماسكة، والاقتصادية والعسكرية التي يرعاها أطراف هذا الحلف، فضلاً عن خلق البيئة والظروف الدولية المناسبة التي ستتيح حيزاً مهمًا وضروريًا للعب دور مؤثر وفعال ربما في صناعة الأحداث المتلاحقة، ووضع البدائل الآنيّة منعًا لأي تراجع عن الأهداف الموضوعة على طاولة الجغرافيا السياسية والعسكرية والاقتصادية.