علي سندة |
على مجموعة في موقع (فيس بوك) يربو عدد المشتركين فيها عن 92 ألف مشترك، وضع مدير الصفحة منشورًا يستفتي فيه الجميع دون أن يخصص أحدًا بعينه، حيث قال: “شخص عندو مزرعة بخان العسل هو معمر فيها طابق واحد، رجع لقاها 3 طَوابق، ما هو الحكم الشرعي؟ أفتونا” وقبل أن يتصدر أهل المجموعة الكرام للفتيا ويجيبوه، لا بد أن نبين أن المجموعة ليست خاصة بالفقه أو أي شيء يمت إلى الدين الإسلامي بصلة، إنما هي خاصة بالتراث الشعبي وحكايا الناس وموائد الطعام وغيره من الحياة اليومية، وبالتالي فإن الناس الموجودين فيها من طبقات المجتمع المختلفة بل فيها من يدين بغير الإسلام، والغالب الأعم منهم ليسوا أهل علم إنما أصحاب مهن مختلفة، وهذا ليس انتقاصًا منهم إنما لتوضيح خطورة أمر السؤال والغاية منه، وإن كانوا منهم أصحاب علم فليس كل صاحب علم يستطيع الإجابة والفتوى، فصاحب الفتوى مختص بالعلم الشرعي وما يتصل به، ولتوضيح الأمر أكثر، إليكم بعض الفتاوى السوقية التي تصدت للإجابة عن المسألة السابقة: “يصلي ركعتين شكر لله، حلال عليه، مبروكات عليه، يضحك بعبو، رزق ساقه الله إليه، طبعًا الطوابق رزقه ومن حقه لأن الأرض له من الأساس، صحتين على قلبه ما بطلع عليه شيء، يوزع قيمتن على الفقراء، يعتبرن غنيمة من المسلحين، يكبر عليها ثلاث مرات وياخدها… إلخ” وغيره من العبارات التي جُلها لا يخرج عن السخرية من الدين وإمضاء وقت لأجل الضحك، والسؤال هنا: هل من وضع السؤال على المجموعة العامة غير المختصة بالفقه يجهل ما فعله؟ خاصة أنه مدير الصفحة التراثية العامرة والمنشور تجاوز عدد المعجبين به إلى أكثر من 1700 معجب، وعدد المشاركين بالفتوى العظيمة بالمئات، بل هنالك العشرات ممَّن شارك المنشور!
إن الدين ليس بضاعة للاستهلاك اليومي بالضحك والسخرية، والمنشور السابق على هكذا مجموعة فيها الآلاف ما هو إلا لتشويه الدين عبر سؤال العامة الذين هم ليسوا أهلًا للإفتاء لغرض التسلية والضحك وحصد الإعجابات، بل وفتح الباب لما هو أخطر من ذلك لتصدر باقي الملل والطوائف للفتوى والإجابة عن السؤال سواء بجدية أم بسخرية لوجودهم ضمن الصفحة.
إن السؤال عن شيء شرعي في الدين له أهله وأصحاب الاختصاص فيه، لا العوام والجهلة، قال تعالى: “وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ” الأنبياء:7، والمقصود هنا كما جاء في التفاسير أن أهل الذكر هم من الموجودين حتى قبل النبي صلى الله عليه وسلم، أي في الشرائع السابقة أيضًا يُسأل أهل الذكر لا أحد سواهم وليس فقط في الدين الإسلامي، نظرًا لخطورة الأمر وانعكاسه على الحياة العامة مجتمعة فيما لو كانت الفتاوى عن هوى، لأن ذلك يؤدي إلى اختلاط الحقوق وضياعها والوقوع في الحرام ونشر الظلم بدل العدل، فما بال الناس اليوم يسألون ورواد الفيس بوك؟!
بالنسبة إلى من تجرأ وأفتى سواء كان مقتنعًا أو ساخرًا، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: “أجرأكم على الفتيا أجرأكم على النار” وقال أيضًا صلى الله عليه وسلم: “من أفتى بفتيا من غير ثبت فإنما إثمه على من أفتاه”
وأما بالنسبة إلى صاحب المنشور فهو يعرف تمامًا ما يفعله، يدس السم بالعسل، فالتقي الورع يسأل من هم أهل للسؤال، والمنشور بحد ذاته ينم عن سخرية ظاهرة لا تخفى على أحد، فالغاية الأساسية هي النيل من الدين وجعله عُرضة للسخرية والضحك والتسلي وحصد الإعجابات والتعليقات، إلا أن صنفًا من المشاركين أشاروا إلى خطورة الأمر وقالوا إن المكان هنا ليس مكان استفتاء والموجودين ليسوا أهل اختصاص وهذا دين وليس لعب.