عبد الحميد حاج محمد |
بعد تسع سنوات من الأمان والثورة والكرامة في مدن وقرى ربما لم يتوقع الكثير أن يكون حالها كباقي البلدات والمدن في المحافظات التي أتى عليها القصف والدمار والاحتلال بعد أن كانت تنعم بالحرية، إلا أن مآلها اليوم صار إلى ما صارت إليه بقية المدن والبلدات التي كانت تحت سيطرة الثوار، فتعرضت للقصف والدمار ثم التهجير القسري ثم الاحتلال.
عن تجربتي…
في تاريخ الثاني من شهر شباط الماضي للعام الحالي استيقظت على خبر احتلال بلدتي ومسقط رأسي “داديخ” هذه البلدة الصغيرة التي لم أتخيل طيلة تسع سنين ولو للحظة أنني سأفارقها بسبب احتلالها من قبل ميليشيات الأسد.
لربما لم يكن الخبر صاعقًا نوعًا ما بسبب الاعتياد المسبق على كثرة هذا الخبر في الحملة الأخيرة للميليشيات جنوب وشرق إدلب آخر العام الفائت وحتى انعقاد لقاء بوتين وأردوغان في الخامس من الشهر الحالي.
داديخ الاسم الذي تصدر وسمه الكثير من مقاطع الفيديو التي أصدرتها فصائل الثوار عن استهدافات متكررة لميليشيات الأسد في البلدة التي توقفت فيها الميليشيات لتكون الخط الفاصل مع جبل الأربعين في مناطق الثوار، كما تعتبر البلدة خط الحماية الأول لطريق m5 أوتوستراد حلب دمشق.
عشرات الاستهدافات وقعت قرابة شهر من احتلالها الأول من قبل مليشيات الأسد، ليتمكن الثوار في ٢٧ من تحريرها للمرة الأولى بعد احتلالها عقب تحرير مدينة سراقب قبل أن تعود الميليشيات لاحتلالها من جديد مع سراقب.
داديخ والتحرير
مع إعلان التحرير كانت الصورة المتكررة لدي أني سأعود وأجدها كما غادرتها قبل شهر إلا أن التصور لم يكن ناجحاً، فأحياء سكنية ومنازل أصبحت مع الأرض، وشوارع غير سالكة وألغام فتاكة وسواتر مرفوعة تقطع بين الأحياء.
إلا أنه سرعان ما تتغير الصورة النمطية لديك عندما تنظر إلى الجانب الآخر وهو حطام وبقايا لعشرات الآليات متناثرة هنا وهناك للميليشيات المحتلة وعشرات الجثث المتعفنة للميليشيات، عندها تشعر رغم كل الألم الموجود في داخلك أنهم ذاقوا داخلها ضعف ماذقنا خارجها.
فرحة الأهالي الكبيرة بالتحرير أنستهم قمة الألم والمصاب الذي حل بهم، إذ لم يعد هناك بيوت ولا أرزاق، وعندما تقف لبضع الدقائق على مدخل البلدة تجد العشرات من أهالي بلدتك قد أتوا من شتى بلاد النزوح ليلقوا نظرة إلى منازلهم وأرضهم التي تركوها مجبرين تحت ويلات القصف وشدته، إلا أنهم بعيدون كل البعد رغم كل شيء عن آلام النزوح داخل بلدتهم.
كتقديري فإن بيوت البلدة مدمرة بنسبة ٩٠٪ إبان تحريرها، ومع ذلك كان الأمل موجود بين الأهالي وذلك على نحو ما عرفنا بتجمع البلدات عن طريق غرف (الوتس أب) وليست داديخ البلدة الوحيدة التي حصل بها ذلك بل أمثالها عشرات البلدات الأخرى.
يا فرحة لم تتم…
في تاريخ الثالث من الشهر الحالي، وبعد التقدم الجديد لميليشيات الأسد على البلدة واحتلالها الثاني، من جديد زاد الألم ورجع لدى الأهالي، وذهب الأمل، وخصوصاً مع وقف إطلاق النار المعلن بين تركيا وروسيا صاحبتا الشأن والقرار عن أنفس السوريين.
هذا هو حال الكثير من البلدات وحال الأهالي مع بلداتهم، إلا أن ما يزيد الألم أن تجلس بعيداً عن منزلك بأمتار قليلة ولا تستطيع الوصول إليه، هذا ما تشهده داديخ اليوم، فهي خط فاصل لاتفاق مجحف إن استمر على ما هو عليه.
بعد أن كانت الثقة موضوعة بالعودة القريبة إلى تلك القرى المحتلة حديثًا وأن المسألة كما طرحها البعض مسألة وقت، إلا التوقعات أن خابت وتبين أن المسألة مسألة جيل، وأن كل أمر سلبي متوقعٌ على هذه الأرض التي خُذِلَت من الشرق والغرب.