عبد الرحمن عبد الله |
سبق أن عملت وزارة التركية على دمج الطلاب السوريين في المدارس التركية على مدارس السنتين السابقتين، وسبق أن وجدنا ظواهر لطلاب سوريين استطاعوا الاندماج، بل حققوا تفوقًا على أقرانهم الأتراك في كافة الصفوف الانتقالية حتى في الجامعات، لكن ماذا عن الوضع بشكل عام؟ هل غالبية الطلاب السوريين استطاعوا تحقيق الاندماج ويدرسون بشكل اعتيادي؟ ماذا عن نتائجهم عقب انتهاء الفصل الدراسي الأول لهذا العام؟
في إحدى الثانويات التركية التي يوجد فيها عدد كبير من الطلاب السوريين على مقعد واحد مع الطلاب الأتراك، وبعد صدور نتائج امتحانات الفصل الأول، قمنا نحن المعلمين السوريين بعملية مسح شامل لدرجات طلاب الصفين التاسع والعاشر والبالغ عددهم 160 طالبًا، تفاجأنا بأن النتائج كانت مخيبة إلى حدٍّ مخيف، حيث إن ما نسبته 52 % من الطلاب كانت درجاتهم تتراوح بين 20 و49 درجة أي هم عملياً تحت خط الفقر (أقصد تحت خط الكسر) أي هم راسبون في صفهم إذا لم يتجاوزوا التقصير في الفصل الثاني.
وحوالي 30 % درجاتهم تتراوح بين 50 و60 درجة أي بمستوى دون الوسط، وتلك الإحصائيات السابقة لا تقتصر على مدرسة واحدة بعينها إنما على العديد من المدارس التي فيها طلاب سوريون، وهذا ما تبين لنا بعد سؤالنا لزملاء آخرين في باقي المدارس.
في الواقع إن دل هذا على شيء فإنه يعكس إلى حدٍّ ما ضعف اندماج أبنائنا مع بيئتهم الجديدة ومع أقرانهم الأتراك، وكان السؤال الكبير بالنسبة إلينا نحن المعلمين: لماذا هذه النتائج المخزية؟ يعود ذلك من وجهة نظرنا إلى عدة أسباب:
أولاً: الطالب في هذه المرحلة العمرية، والتي تسمى مرحلة المراهقة، تعصف به تحولات فيزيولوجية وسيكولوجية عاصفة تجعله يمر في مشاكل نفسية كبيرة، وهذا يصنع حاجزًا كبيرًا بين الطالب وأقرانه الأتراك، ما يجعله عرضة للتنمر من الآخرين، وأحيانًا هو من يقوم بممارسة التنمر على من هو أضعف منه، ولذلك أثر نفسي على الطالب.
ثانياً: العلاقة بين الطالب والمعلم ليست على ما يرام، حيث المطلوب من الطالب السوري أن يكون بمستوى الطالب التركي من حيث الحفظ والنشاط والمشاركة وحل الواجبات دون الأخذ بعين الاعتبار وجود فروقات بين الطرفين، فمن ناحية الطالب السوري لا يتقن اللغة التركية بشكل كامل، ومن ناحية أخرى يعاني الطالب السوري من ضعف كبير في المعلومات الأساسية، حيث إنه قادم من مراكز التعليم المؤقتة السورية، فإذا علمنا أنه في آخر سنتين، وبعد دخول اللغة التركية، انخفض عدد حصص المواد وخاصة العلمية منها (الرياضيات، والفيزياء، والكيمياء) بشكل واضح، فعلى سبيل المثال لا الحصر أصبح عدد حصص الرياضيات حصتين أسبوعيًا بعد أن كانت ست أو سبع حصص، وقس على ذلك بقية المواد.
بالطبع لا يُلام المعلم التركي بهذه الجزئية، حيث إنه ليس مطلوبًا منه أن يميز بين طالب وآخر داخل الغرفة الصفية، وإلا سيتهم بممارسة التمييز والعنصرية.
ونحن كمعلمين أكل التفكير منَّا رؤوسنا عسى أن نجد حلًا يخرج أبنائنا من هذا الوضع اليائس الذي يُرسم على وجوههم قبل وجوه أهليهم، فاقترح أحد زملائي المدرسين قائلاً: فلنرسلهم إلى المعاهد الخاصة، فهناك تتم مراجعة الدروس وحل الوظائف. لكن في الواقع هذا حل غير مجدٍ، فمن ناحية ليس لدى الطالب الوقت ليذهب إلى المعهد، فدوام المدرسة أساسًا طويل، ومن ناحية أخرى كثير من الطلاب غير قادرين على تحمل العبء المادي كونهم ينحدرون من أسر فقيرة، فهل رب الأسرة يدفع آجار المنزل والفواتير أم يدفع للمعهد الذي لا همَّ له سوى جمع المال؟!
في الحقيقة هذا الأمر يحتاج تدخلًا من مؤسسات كبيرة بحجم مديرية التربية لديها خبراء تربويون قادرون على التواصل مع مديرية التربية التركية ومع مديري المدارس للوصول إلى حلٍّ لهذه المشكلة، والقيام بعملية توعية لأبنائنا الطلاب لأن مستقبلهم التعليمي على المحك، وإلا فإن سوق العمل بانتظارهم وهذا مالا نأمله.