لا يبدو من مخرجات الاجتماع الأخير بين موسكو وأنقرة أن هناك أرضية صلبة قد تم الاتفاق عليها، فلم تأتِ البنود التي تم إعلانها بجديد سوى فيما يتعلق بوقف إطلاق النار، الذي جاء هشًّا أيضًا، لأن موسكو قيدته بالاستمرار في محاربة من تعتبرهم إرهابيين، وأنقرة أعلنت أنها سترد على أي استهداف لقواتها المنتشرة بكثافة في المنطقة بقوة.
يبدو أن ما جرى هو فقط إعلان النية للاتفاق، والبدء بإجراءات بناء الثقة بين الطرفين من جديد على الأرض، وهذا ما يجعل أحد أهم البنود المُستنسخَة من سوتشي تتأخر حتى الخامس عشر من آذار، أي بعد أحد عشر يومًا من الاجتماع في موسكو.
لا أحد من الضامنين يودُّ الدخول في مواجهة مباشرة مع الآخر، فالملفات التي تجمع البلدين تتجاوز سورية، ولا مصالح حقيقية في الشمال السوري لروسيا تجعلها تخسر شريكها أنقرة في بقية الملفات، كما أنها تدرك أن أنقرة لن تتنازل بسهولة عن هذا الملف كما تنازلت عن غيره في سورية، لأنه يمثل حجر أساس في الحفاظ على الأمن القومي التركي.
الفيتو الذي استخدمته الولايات المتحدة ضد توثيق الاتفاق يظهر أن تركيا لم تكن موافقة عليه، وأنها ماتزال تحاول الحصول على موافقة صريحة من الناتو لكي تقف بصلابة أكثر أمام روسيا، وما تم شراؤه في الاجتماع الأخير كان مزيدًا من الوقت للطرفين بعد انتهاء المهلة الطويلة التي أعلنتها تركيا سابقًا، لصالح مهلة أكثر مرونة، يبقى فيها خيار الحرب مستبعدًا، مع ضربات قوية للنظام مقابل كل استهداف لتركيا كالتي جرت قبل أن تنتهي المهلة أساساً.
أعتقد أن روسيا ستحاول المماطلة كثيرًا، ولن تلعب على التقدم حاليًا على الأرض لأنها تريد تثبيت أمر واقع بحذف المناطق التي تقدمت إليها من اتفاق سوتشي، وهذا يحتاج زمنًا من التهدئة حتى يصبح أمرًا واقعًا بانتظار التحرك القادم الذي سيتمخض عن اتفاق على حدود جديدة كما تريد روسيا.
تبقى النقاط التركية وملف اللاجئين والناتو هو ما سيحدد تحرك أنقرة القادم، ولن يكون عنيفًا ما لم تنخرط فيه أوروبا، والولايات المتحدة، لأن تركيا تعلم جيدًا أن أي حرب على حدودها ستجعلها الخاسر الأكبر ولو استطاعت الانتصار في النهاية، فإنهاك الحرب وتبعاته الاقتصادية والسياسية على الداخل التركي هي ما تحاول أنقرة وحزبها الحاكم تجنبه، وليست الحرب بصورتها الكلاسيكية.
المدير العام | أحمد وديع العبسي