دلال الياسين |
في فصل الربيع تنشغل النساء بزراعة الورد على أبواب خيامهنَّ، يرتبنَ بيتهنَّ الجديد بأناقة لا يفتقدنها، ويرعينَ أصصًا من الزرع ونباتات الزينة علّها تجبر المكان للحنوّ على حياتهنَّ الجديدة، ونسيان مشاهد الدمار التي طالت المنازل القديمة قاتلةً كل شيء، حتى حدائق المنازل وأشجار الحواكير وأزهارها ودوالي العنب.
المخيمات التي بنيت في المناطق الحدودية مع تركيا، هي في مناطق جبلية أو صخرية خالية من الأشجار الخضراء، في الوقت الذي يضيف لون العوازل الزرقاء شيئًا من بقع يُظن أنها ماء من بعيد، وبين الخيام ما يمكن تسميته بالأزقة فسحة للمرور بين خيمتين، ومكان لجلوس العجائز عصر كل يوم يحملون عكازهم ويرسمون به خطوطًا متفرقة على الأرض، وملعب للأطفال اللذين حرموا من أبسط حقوقهم، ومخبأ للمراهقين الصغار يرمون أعقاب سجائرهم، وحديقة البيت للنساء اللواتي أردنَ إضافة روحهنَّ إلى المكان بتحويله لحديقة.
حجم الدمار الذي سببه القصف، ورائحة البارود الملازمة لذاكرة (أم زكوان) التي تقيم في واحد من مخيمات باب الهوى قرب مدينة سرمدا شمال إدلب، هو ما دفعها لإضفاء ما اعتادته ربات المنازل السوريات من لمساتهنَّ الخاصة على الأمكنة التي يقمنَ فيها، حيث أردنَ كسر النمط الجامد في تلك المنطقة القاحلة، تقول وهي تروي لنا عن تجربتها وبعض نساء المخيم في زراعة نباتات الزينة: ” أردت تحدّي الموت الذي طرق معظم الأبواب بسلب ضحكة من زوارها كلّما دخلوا إلى المكان وتحويل الخيمة إلى مكان جميل.”
ترى (أم زكوان) أن “الاهتمام بخيمتها المتواضعة كان لزامًا عليها وهي تعيد ترتيبها ليشبه ما تركته من أحواض الزهور التي فارقتها مع منزلها بسهل الغاب في ريف حماة الغربي، تقول: “بيتي هناك كان متواضعًا إلّا أن حب الزهور وشغفي بها دفعني لزراعة أنواع مختلفة منها، مثل (العطرية، والحبق) الذي يمتاز برائحته القوية التي تفوح كلما هبت نسمة من الهواء أو كلما حركها شخص ما بكفه، أيضًا نبتة (إكليل الجبل) والكثير من الأزهار ونباتات الزينة التي كانت قد احتفظت ببذورها بغية زراعتها في العام الذي يليه.”
تكمل (أم زكوان): “إن أهم ما يجب توفيره هو الروح الجميلة المحبة للنبات والطبيعة، فالنبات يشعر بنا وبمحبتنا من خلال اهتمامنا وعنايتنا به.”
تفتقد المخيمات من الحدائق الخاصة ومن قلة الاهتمام بوجود نباتات أو أشجار، وتسعى بعض النساء ممَّن سمحت لهنَّ الظروف المادية والنفسية بتحقيق ما يسعين إليه من راحة لاجتراح حلول صغيرة عبر زراعة بعض الزهور الموسمية، خاصة مع تنامي الشعور بأن هذه الخيمة ستكون مكان إقامتهنَّ لوقت طويل، ويأملنَ أن تساعدهنَّ المنظمات الإنسانية بمشروعهنَّ الصغير، وزراعة بعض الأشجار أو تأسيس حدائق في المخيمات تتوفر فيها الشروط المناسبة للعب الأطفال، وتكون متنفسًا للرجال والنساء في المكان.
لجأت النساء إلى زراعة الورد بشكل عفوي لأن النفس البشرية ترتاح لرؤية الطبيعة واللون الأخضر الذي تعلوه ألوان الزهور المختلفة، وأثبتت الدراسات أن رؤية الأزهار لها مفعول كبير في التخفيف من الشعور بالحزن والتخفيف من الغضب، كما أثبتت دراسة أخرى أن رؤية الأزهار المتفتحة تساعد في قدرة الإنسان على تحمل الألم.
تتمنى (أم زكوان) أن تعود إلى منزلها و حديقتها التي كانت قد زرعتها بالجوري والياسمين والدوالي وعطر الليل والزنبق والنرجس، لتمحي أيام وويلات النزوح والتهجير.