بقلم : أروى الأنصاريةما أسوأه من شعور حين تصبح وحيداً لا أحد بجانبك!ترى الدنيا فارغة، تراها حزينة تبكي على الأيام القاسية التي تعانيها، وللأسف هذا حال غالبية السوريين في أيامنا هذه.أيام مقاومة النظام وتكذيبه لحقيقة وجود الثورة، وللأسف فإن النظام الوحشي لا يقاوم على الجبهات فقط، بل ويهاجم بكل وحشيّة وجنون المواطنين من نساء وشيوخ وأطفال، رغم أن هناك بين الناس مؤيدين له ومعارضين فلا أحد يسلم من ضرباته اللعينة حتى جماعة “الله يطفيها بنوره” لا تسلم منه.القصف يعمّ الجميع حتى الحيوانات لا يوفرها، فحلمه أن يدمر ويدفن مناطق انطلاق الثورة والشعب يقاوم ويقاوم ولا يمكنه من ذلك.ولكنّ لكل شيء ثمناً، والناس هنا تدفع الثمن غالياً. غالياً جداً، فههنا عائلات متآلفة، أفرادها متحابّون، يأكلون سوية ينامون ويستيقظون سوية يفرحون ويحزنون سوية. وفي يوم من أيام جنون طيران النظام تتساقط البراميل.برميل من براميل الموت، يقتل العائلة بأكملها، ما عدا شخص واحد يبقى وحيداً، لم يتبق له شيء، ينظر الى ما حوله فلا يجد إلا الحطام يتراكم فوق عائلته التي هي حياته، يتنقل بنظراته هنا وهناك، علّه يجد أحد منهم بين حشد الناس المجتمع.يبقى منتظراً الدفاع المدني عسى أن يجد بصيص أمل منهم بنجاة أحد من أفراد عائلته، ولكن لا يجد منهم سوى نظرات الأسف والمواساة والدعاء له بالصبر.يتمنى لو أنه رحل مع عائلته، يبحث عنهم يريد منهم ولو شخص واحد يضمه ليبكي على صدره، ولكن للأسف فإن الموت كان أسرع منه إليهم وخطفهم من بين يديه.يحل المساء ليذهب كل شخص الى عائلته، ويبقى هو منتظراً أمام الحطام، إلى أين يذهب، أين ينام، ماذا يفعل بحياته البائسة بعد الآن.كان يعود كل مساء الى منزله، لتناول وجبة الغداء مع عائلته، يلتفون حول مائدة الطعام، يروون ما حدث معهم طوال اليوم.ولكن.. اليوم غير كل الأيام.هو قد عاد بالمساء كما كل يوم حتى في نفس الموعد ولكن هم لم يعودوا.لقد ذهب كل شيء أدراج الرياح، لم يعد عنده منزل يعود إليه مساءً، لم يعد عنده أحد منهم يروي له قصته بعد الآن.أصبح مكان الأكل حطاماً مكان النوم حطاماً وأصبحت حياته حطاماً هي الأخرى؛ أصبحت فارغة من دون جدوى، أصبح وحيداً في عالم مليء بوحوش الأنس، يصارع هموم الحياة ومشاكلها وحده، بلا أب يسانده، أو أم تحنو عليه، أو أخ يفضي له بمشاعره، أو أخت تهدّئ من روعه.ظل وحيداً بلا هوية، ينتظر ما تخبئه الأيام، هل سيعيش أم سيأتي دوره، وبماذا ستكون وفاته، أيكون ببرميل، أم صاروخ، أم رصاصة.هي كان لها عائلة مؤلفة من تسعة أشخاص، أب وأربع بنات وثلاثة صبيان.في ذلك اليوم المشؤوم كانت قد ذهبت للساحة لشراء الملابس لأولادها، فالمدارس ستفتح أبوابها بعد أسبوع، وكالعادة فالطيران يحلق في سماء حلب.هنا الناس قد تأقلمت مع صوت الطائرات، وإذا بها تهوي لتقصف.صاحت الأم: الله أكبر، أين كانت هذه الضربة يا ترى؟واستكملت شراء الملابس، وعندما وصلت… فُجعت من هول المنظر ، يا إلهي إنه منزلي!وبين التصديق وعدم التصديق؛ فقدت وعيها، استفاقت وهي على أمل أن تكون في حلم، ولكن للأسف إنها حقيقة مؤلمة، صرخت: “أبنائي .. بناتي.. زوجي!”كلهم قد أصبحوا شهداء.تمسك الحجارة وتصرخ باكية: أيتها الحجارة… خفّي عليهم ولا تكوني قاسية كالبشر… ولتتلطفي بهم فهؤلاء فلذات أكبادي وفرحة عمري التي ضاعت.وقفت باكية وحيدة لا تعرف ماذا تفعل.ويأتي الغد ليكتب قصة عائلة جديدة مع برميل جديد في يوم جديد. هنا سوريا.