محمد رحال |
فرضت حالة النزوح الأخيرة ظروفًا صعبة على المدنيين الذين اضطروا لاتخاذ أي مكان يؤويهم في ظل البرد وغلاء الأسعار وعدم توفر البيوت نتيجة الأعداد الكبيرة التي نزحت بفعل العملية العسكرية للنظام السوري وروسيا على إدلب وريف حلب.
وفي مكان أشبه بالسجن الجماعي، تعيش أكثر من 75 عائلة داخل مركز إيواء في مدينة حارم، بعد حركة النزوح الأخيرة وسيطرة قوات النظام على مساحات واسعة في الشمال السوري.
صحيفة حبر زارت المركز في مدينة (حارم) في ريف إدلب والتقت مجموعة من السكان للتعرف على معاناتهم وظروفهم المأساوية في ظل تقصير من المنظمات الإنسانية لتدارك الوضع في المخيم.
(أم حميد) مسنة مهجرة من بلدة معارة النعسان تقول لحبر: “خرجنا فجأة من بلدتنا وتركنا منازلنا خلفنا، منها ما دمرته الطائرات الحربية والقصف، ومنها ما تمت سرقته.”
وتصف لنا (أم حميد) المعاناة الموجودة في المخيم، وما يتعرضون له، بقولها: “إن حالتنا مأساوية جداً هنا في هذا المركز، شهر ونصف ونحن بعيدون عن أزواجنا وشبابنا نتيجة الفصل بين الجنسين، حيث تتجمع النساء في مكان والرجال في مكان آخر كون المبنى لا يسمح بأن تجلس كل عائلة مع بعضها البعض.”
وتنوه (أم حميد) إلى أنه “حتى إذا مرض أحد من الرجال أو النساء لا يدري به قريبه، فجلستنا هنا أبعدتنا كل البعد عن الأسرة وعن التكوين الأسري.”
ولا تقف المشكلات التي يعاني منها سكان المركز عند هذا الحد، بل تتعداها إلى مشكلات صحية خطيرة، فهذا الازدحام الكبير والتخالط ينذر بكارثة نتيجة تفشي الأمراض بين الأطفال والعدوى فيما بينهم، إضافة إلى قلة النظافة التي يعاني منها الأهالي.
وفي هذا الصدد يقول (عبد الكريم الحلبي) مهجر من جبل الزاوية بريف إدلب وأحد سكان المركز: “في المخيم مرض طفل واحد بالجرب، فانعدا منه عشرة آخرون بسبب التخالط وعدم العزل والازدحام الكبير، في ظل غياب كافة الوسائل التي تساعد في التقليل من حدة الأمراض.”
ويضيف الحلبي: “لم نخرج طوعًا من منازلنا لكننا مجبرون، لم أعتد يومًا أن أبتعد عن عائلتي رغم أننا في المكان نفسه، لكن كل منا على حدة.”
وعن الحلول البديلة في حال وُجِدت طرح الحلبي أنه” يمكن حل هذه المشكلة في توزيع بعض الخيام لبعض العائلات ونصبها بالقرب من المركز أو في الساحة، ما يخفف عبء الازدحام في الداخل.”
وعن الحالات التي حدثت في هذا المركز الذي يؤوي 75 عائلة من عدة مدن وبلدات يقول (عبد المنعم عرابي) مهجر من بلدة الزربة بريف حلب: “مرضت زوجتي حتى سقطت على الأرض، إلا أنني لم أتمكن من مشاهدتها حتى نقلناها إلى سيارة الإسعاف ومنها إلى أقرب مشفى، وهنالك الكثير من الحالات عند الأطفال والنساء، وإذا بقي الوضع على ما هو عليه، فالتكوين الأسري وعاطفة الأسرة التي اعتدنا عليها ربما سنفقدها إن استمرينا على هذا المنوال والوضع.”
وفي ظل هذه الظروف المأساوية تتعدد أنواع الكوارث والحالات الإنسانية التي تحصل في الشمال السوري، و جميعها يمكن حلها فقط بحالة واحدة وهي عودة المدنيين المهجرين الى منازلهم ومدنهم.
فالكارثة الإنسانية فاقت القدرة الفردية والمؤسسات على حلها وسط تخاذل الدول؛ لذلك لا بد من تكاتف المنظمات وتوجيه كامل المشاريع لدعم المخيمات الأكثر كثافة وتوفير بدائل مناسبة توفر بعض الحياة الكريمة للمدنيين.