غسان الجمعة |
في الوقت الذي يتحدث فيه محللون وساسة عن تغيرات جذرية في النظام العالمي على مختلف الأصعدة بسبب فايروس كورونا، ما تزال أعمدة هذا النظام تعمل بآلية أنانية ومُنافَسةٍ مصلحية بدأت تأخذ منحى المرض من جائحة عالمية مَرضِيَّة إلى جائحة سياسية وبائية فجَّة عرَّت فيها تلك المنظومة التي بُنِيت على أساس جوهري يُفترض أن يكون هو الإنسان.
ولعل فكرة تحويل المخاطر إلى فرص هي سياسة ناجحة عندما تعتمدها المؤسسات والشركات والحكومات في مواجهة أي مشكلة، غير أن الوضع في الوقت الحالي مُختلِف تمامًا لتطبيق هذه السياسة مع انتشار وباء يُهدِّد البشرية.
البداية من القارة العجوز التي يفتك ببلدانها الفايروس، وتُعَدُّ إيطاليا الدولة الأوروبية الأولى في معاناتها مع الفايروس والأقل تدبيرًا وقدرة على مواجهته، وقد طالبت مع إسبانيا باقيَ دول الاتحاد بالإسراع لمساعدتهما، غير أن الدول الغنية الأخرى تعاملت ببطء وتململ مع هذه المطالب، ممَّا شجع روسيا لتقديم مساعدات وإرسال أطباء بصفة (عسكرية) تحت إشراف وزارة الدفاع، وهو ما شكل صفعة كبيرة للركائز التي أرستها دول الاتحاد فيما بينها، بل وخطوة أكبر نحو تعزيز وتقوية التيارات الشعبوية في هذا البلد والبلدان الأخرى، في حين إن روسيا لم تفعل ذلك مجانًا بل إشارة لدول أوربا الشرقية بضعف الاتحاد وحتى الناتو، وقوة ناعمة أطلقها بوتين في عقر دار الاتحاد وفي دولة تعارض سياسة الاتحاد في فرض عقوبات على روسيا.
ومن زاوية أخرى فإن دول الاتحاد التي تتغنى بالأمن والسلم الدوليين على مدار عقود، بدأت تسرق بعضها كما يفعل اللصوص تمامًا، فقد استحوذت ألمانيا والتشيك على معدات طبية كانت متجهة نحو إيطاليا بشكل لا يمكن تفسيره سوى أن قواعد العلاقات والأخلاق الدولية لا توجد سوى بالبروتوكولات وفي الزيارات الرسمية وأداء التصريحات فقط.
ومن جهة أخرى فإن رئيس الولايات المتحدة الدولة التي تقود الحقبة العالمية الآن لا يدخر جهدًا في حديثه عن الفايروس، إذ يُقلل من خطره وينتقل بسرعة للحديث عن أسهم البورصة والمال، بل عدَّ إغلاق بلاده من أصعب قراراته، وهنا لا داعي للتخمين بل يمكننا التأكيد أن المادية التي بُنِيت عليها الولايات المتحدة هي أولاً، فكل دول العالم تعايير المرض طبيًا واجتماعيًا، وفي مرتبة أدنى اقتصاديًا، إلا ترامب والإدارة الأمريكية فهما ينظران إلى الفايروس من عين البورصة وتدفق السلع.
إضافة إلى ذلك فإن دعوة الولايات المتحدة للعاملين في المجال الطبي تقديم طلبات العمل في أمريكا ليس خبرًا عابرًا، بل هو بمفهوم المخالفة إفراغ دول العالم الثالث من الكوادر الطبية وترك شعوبها للموت والمعاناة ليعيش السيد الأمريكي في ظل توقعات بموجة ثانية للفايروس تجتاح نصف الكرة الجنوبية.
مشكلة اللاجئين وتداعيات انتشار الفايروس على العالم باتت تُتَرجَم بإجراءات احترازية وتصرفات دولية غريبة عن قواعد المنظومة العالمية، وما يُبقِي الدول مُتماسِكة في مواجهتها للجائحة للحظة، ضخُّ المليارات في جسد منظومة تحتضر بعد اجتماع الدول الخمس، غير أن ذلك لا يمكن الاستمرار به طويلاً، والانفجار الدولي فرصة للتحقق تتسارع؛ لأن مناعته السياسية والاقتصادية والإنسانية غير مؤهلة وزائفة.