تختلف السياسة الشعبية عن الممارسة الشعبوية من حيث المنطلق، فالأولى تعمل من أجل تكوين ثقافة الشعب لمجاراة الحالة السلطوية، أمّا الثانية فهي تنطلق من ثقافة الشعب الحاضرة للوصول إلى السلطة.
وبين قطبي الحالة الشعبية هناك خيارات متعددة قد لا تحمل حدّة أحد الاتجاهين أو قد تعمل عليهما معًا في الوقت نفسه، من أجل مكاسب أكبر، ولكن هذا العمل يحتاج جهدًا كبيرًا قد لا تقدر عليه قوة سياسية لم تمسك بزمام السلطة بعد.
لا ينبغي تجاهل قوة الشعب وإرادته أثناء العمل السياسي، من أجل عدم خلق الخصومة معه، مهما كانت هذه القوة مشتتة وغير واعية، كما يجب عدم الركون إليها وجعلها السلاح الأساسي في أي مواجهة، فالتجارب التاريخية بمعظمها تشرح كيف أن هذه القوة غير حاسمة، وأنها مُتبدِّلة ولا يمكن الوثوق بها لفترات طويلة، وتحتاج قوةً دعائيةً ضخمةً ومنظمةً للحفاظ عليها.
الفعل السياسي يجب أن يتمتع بأدوات قوة جاذبة للشعب بدل الاعتماد على جماهيريته، فصنع الجماهيرية ليست منطلقًا جيدًا للعمل السياسي، إنما صنع المصلحة الشعبية والمنجزات والقوة الجاذبة القادرة على السيطرة والحكم هي حجر الأساس من أجل فعل سياسي يستطيع كسب تأييد الشعب أكثر من محاولة الانصياع لرغباته.
الفعل السياسي فعل للتغيير، ولذلك لابد أن يكون فعلاً قائدًا لا فعلاً متماهيًا، فعلاً يقود سياسة شعبية وليس فعلاً شعبويًا، الأول هو حالة تأثير وصناعة لمرتكزات طويلة الأمد، والآخر هو حالة تكسبية هزيلة وقصيرة الأمد سيعلم الشعب نفسه كم كان متهورًا عندما قرر الانسياق وراء رغباته المشتتة خلف قائد يبيع الوهم ويقف خلف الجماهير بدلاً من الوقوف أمامها.
لقد أسقطت الأزمات الحالية التي يمرُّ بها العالم في ضربتها الأولى جميع النظم ذات الطابع الشعبوي، وأسقطت نظمًا أخرى كانت تمارس التأثير لصالح السلطة فقط، وستبقى صامدة جميع تلك النظم التي مارست السياسة من أجل تقاطع حقيقي بين المصالح السلطوية والجماهيرية.
لا يوجد شكل حقيقي للسياسة برأيي سوى الشكل التقليدي، الذي يقوم على القوة الفاعلة أو (النخبة) والجماهير المؤيدة والعاملة، الاختلاف لا يمكن أن يؤدي دورًا إيجابيًا عندما يتغير هذا الشكل، لأنه سيورث الفوضى، ولكن الآليات هي التي تختلف، والقدرة على التضامن بين الحالتين الشعبوية والنخبوية هي التي تصنع الفارق.
المدير العام | أحمد وديع العبسي