عكيد جولي – الحسكة
حتى وقت قريب لم تكن نسبة العنوسة لدى الإناث مرتفعة في سورية، إلا أنَّ الظروف التي آلت إليها الحرب زادت من انتشار أو تفشي هذه الظاهرة، حتى وصلت نسبة العنوسة في سورية عام 2014 إلى 70 % بين الفتيات، لتحتل سورية بذلك المرتبة الثانية عربياً بعد لبنان الذي سجل نسبة 85%، وفق إحصائيات نشرتها إذاعة (أمستردام) والسورية نت.
ومن بين المحافظات السورية التي انتشرت فيها هذه الظاهرة، هي محافظة الحسكة التي تقع شمال شرقي سورية والتي بدأت هذه الظاهرة تنتشر فيها مع ارتفاع موجة هجرة الشباب من المحافظة لأسباب عديدة أهمها تردي الوضع الاقتصادي، فقد انتشرت بكثرة بين الفتيات، وعن ذلك تقول (مريم سيدو)، وهي شابة تبلغ من العمر 36 عاماً لـ صحيفة حبر: “قبل بدء الثورة في سورية كنَّا نجد فتاة واحدة أو اثنتين من بين عشر فتيات بلغن من العمر 30 و 35 لم يتزوجن بعد، أمَّا الآن أصبحت الفتاة تصل إلى عمر 26 أو 27 عاماً وهي قابعة في المنزل تنتظر الزواج عبثاً” وعن السبب في ذلك تمضي سيدو قائلة “السبب الرئيسي لتفشي هذه الظاهرة: هو تردي الوضع الاقتصادي، فثمن الغرام الواحد للذهب وصل إلى 17500 ليرة سورية، ناهيك عن المهر الذي يطلبه أهل الفتاة كعادة منتشرة بين المجتمع”.
وفي السياق ذاته، التقت صحيفة حبر بالشاب (أحمد العمر) وعند سؤاله عن سبب انتشار ظاهرة العنوسة قال: “أنا كنت في علاقة حب مع فتاة، واستمرت علاقتنا نحو 5 سنوات، وعندما طلبتها من أبيها، حدد مهرا مرتفعا وصل إلى سبعمئة ألف ليرة سورية، وكنت عاجزاً عن دفع هذا المبلغ، فاضطررت لترك الفتاة، وحتى الآن لم أتزوج، فمن أحد أسباب هذه الظاهرة هو ارتفاع المهر وتكاليف الزواج في الوقت نفسه”.
سنّ العنوسة غير محدد، بل يختلف من مجتمع لآخر، ففي مجتمعات الريف والقرى تعتبر الفتاة عانسة إذا تجاوزت 22 سنة ولم تتزوج بعد، وهذه النظرة سائدة في معظم المجتمعات القروية، أمَّا في المدن، فسنّ العنوسة مختلف ويبدأ من الثلاثين سنة فما فوق، أي ما بين 30-35 سنة، وذلك بسبب الإقبال الكبير على تحصيل الشهادة الجامعية، ما يؤخر عمر الزواج عند فتاة المدينة إلى سن الخامسة والعشرين تقريباً.
وعن طرق علاج هذه الظاهرة تقول (ميساء علي) وهي تعمل في إحدى المراكز النسائية في محافظة الحسكة: “للحد من انتشار هذه الظاهرة، علينا قبل كل شيء أن نقوم بنشر الوعي بين المجتمع، وعلى الأهل أيضاً القيام بتوعية الأبناء بالمعنى الحقيقي للزواج، وترك مسألة الترتيب في الزواج، فمثلاً: نجد من العادات السائدة في المجتمع السوري تزويج الفتاة الصغرى قبل الكبرى، ناهيك عن الأعراف القبلية والعادات السائدة في المنطقة، فهي أيضاً تساهم في تفاقم المشكلة، فبعض الناس يشترط في الزواج أن يكون من نفس القبيلة، فعلينا اقتلاع هذه العادات التي تسبب انتشار هذه الظاهرة، وعلى والد العروس أيضا عدم المغالاة في المهر وبقية الطلبات، فتلك الطلبات تعيق التقدم في الزواج، والأسرة المثقفة والواعية تدرك أنَّ الفتاة ليست شاةً للبيع، بل هي إنسان بالدرجة الأولى وبحاجة إلى أن تكون أما وتكون عائلة”
تفشي هذه الظاهرة يوماً تلو الآخر تهدد بتفكيك المجتمع والنسيج الاجتماعي، ولا بدَّ من الجهات المعنية في المنطقة الوقوف على هذه المسألة ودراستها بشكل جدي، للحد منها والقضاء عليها.