تقرير محمد ضياء أرمنازي
شهدت مدينة حلب المحررة مؤخراً حادثين مروعين أودى كلُّ واحد منهما بحياة طفل بريء، فقد قتل الطفل الأول صاحب الثلاثة عشر ربيعاً نتيجة الضرب المبرح من قِبل والده بقصد التربية! أمَّا الحادث الثاني: فهو مقتل طفل نتيجة إهمال العائلة له عندما كان يلعب وحيداً بإحدى القنابل العنقودية على سطح منزلهم!
لكن ألا تدل هذه الحوادث الغريبة على وجود فجوة كبيرة بين الأهل وأطفالهم بسبب الإهمال الواضح من العائلة تجاه الأطفال؟ وهل كان للحرب تأثير سلبي كبير على العائلة بشكل خاص؟
للوقوف على هذه التساؤلات والاستفسارات، قامت (صحيفة حبر) بعدة لقاءات مع آباء وأمهات في مدينة حلب المحررة، وقد تبين من خلالها أنَّ معظم العائلات لا تعطي أطفالها الحد الأدنى من الاهتمام أو مراقبة سلوكهم.
وكانت نسبة الذين قالوا إنَّنا قد أهملنا أولادنا في الفترة الأخيرة 75 %، وكان ذلك لعدة أسباب أوَّلها الظروف القاسية وقلة المال والخوف وعدم الاستقرار، وأيضاً استهتار بعض المدارس بالتعليم نتيجة عدم وجود معلمين أكفاء، وإعطاء الدعم النفسي أهميته في التربية.
لكن ما هو الحل؟ وكيف سيكون العلاج “السحري” لنكون قريبين من أطفالنا في هذه الظروف غير المثالية في تربية الأطفال؟
يجيب عن هذه الأسئلة المعالج النفسي محمد السيد:
“تقع مسؤولية الأبناء على الأهل، لأنَّ الأبناء بطبيعتهم يكونون غير مدركين لأبعاد تصرفاتهم السلبية والايجابية، وهنا يكمن الدور الأساسي المنوط بالأهل في التربية.
يجب علينا أن نقترب كثيراً من دور الأهل، وشخصيا أنصح كلَّ الأهل أن يحضنوا أطفالهم كل يوم، وألَّا يضربوهم ويكذبوا عليهم، ويصدقوا معهم الحديث، وعلى الأهل تكليم أبنائهم بما يتناسب مع أعمارهم.
إنَّ أكثر ما يحتاجه الطفل بالدرجة الأولى الشعور بالأمان والاستقرار مع الثبات في التربية، كوجود مواعيد نوم متكررة أو عادات منزلية، مثل طقوس متكررة يومياً أو أسبوعياً، ويحتاج الطفل إلى الشعور بأنَّه مقبول ومحبوب ومغفور له إن أخطأ، وله الحق عندما يخطئ دون أن يفقد الأمان إذا أخطأ، ويحتاج إلى اللعب ووجود الأصدقاء، وكذلك التعليم واكتساب الخبرة ممَّا يمارسه، لأنَّه يعيش ما يتعلمه بما يتاح له من فرص.
ويحتاج أيضاً إلى الابتعاد عن القصف ورمي البراميل، والعيش في بيئة هادئة خالية من القصف والتشبيح والتهديد، و يحتاج الذهاب إلى المدرسة والعودة إلى البيت دون أن يكون عنده خوف، هذا باختصار أهم ما يحتاجه الطفل، وأي تقصير بهذه النواحي سوف يؤثر على نموه وعلى عملية تطوير مهاراته المجتمعية والمعرفية ونموه الجسمي والأخلاقي في المجتمع الذي يعيش فيه، ويتحمل الأهل مسؤولية التقصير في هذه الجوانب ويكونون في موضع مساءلة إن لم تكن قانونية فهي أخلاقية تربوية.
ويأتي دور المدرسة في الأهمية بعد العائلة عندما يكمِل الطفل سنته السادسة، ويتجلَّى دورها في عملية نضج الطفل بشكل مباشر ومقصود وهادف من خلال القراءة والرياضيات واللغة والرسم وباقي المواد….
وهناك مسؤوليات متفاوتة على عاتق المدرسة تبدأ بإبلاغ الأهل عن حالات الغياب المسجلة، وتنتهي بمتابعة الأطفال عن طريق ملف معلومات عام لكل طفل.
لكن لا يمكن أن نحمِّل المسؤولية كلها على المدارس، لأنَّه لا يوجد كادر متخصص ورواتب مجزية، والصفوف مكتظة، والقصف مستمر، والظروف غير مثالية.
لكن كيف يمكن العمل مع الأطفال في حال كان الأهل يرفضون التعاون؟ هنا تكمن المشكلة، فآباء معظم الأطفال لا يستجيبون ولا يتعاونون مع المدرسة، وهنا تظهر الصعوبات والعوائق في عملية الإصلاح، فعندما نتكلم عن مشاكل الأطفال النفسية لا يكون الحل في أحد القطبين المؤثرين في حياة الطفل، بل يجب أن يكون التدخل النفسي من خلال ثلاثة أقطاب هي: الطفل والأسرة والمدرسة”
إنَّ أهم الحلول لهذه المشكلة هي توعية الأهل من خلال الندوات والبرامج التلفزيونية والإرشادية، وإقامة حلقات نقاش معهم، فالتربية مهارة تكتسب وتصقل، وأول رسالة توجَّه إلى الأهل هي حضورهم لكل ما يفيدهم في تربية أطفالهم، لأنَّ عدم حضور مثل هذه البرامج يضعف من جهود كل الذين يحتكون مع أطفالهم، ويهدر الطاقات المبذولة من المدارس ومن العاملين في الملف النفسي.
وأخيرا: لا بدَّ من الإشارة إلى مسؤولية الصحافة والإعلام في تبني موضوع الاهتمام بتربية الأطفال وحمايتهم.