بقلم أ. أنس إبراهيم
جروحُ وآثار العنف اللفظي لا تُرى، إلا أنَّها أشدّ وأخطرُ بكثير من آلام عنفٍ جسدي قد تختفي آثاره بعد أيام.
العنف اللفظي والألفاظ المسيئة التي تحمل عبارات السخرية والشتم والازدراء والتخويف والتهديد من قبل البيئة الصفية فضلاً عن بيئته المنزلية، وكذلك أسلوب مقارنة الطالب بطلابٍ آخرين، أضف إلى ذلك التعبيرات التي تحمل رسائل ساخرة أو جارحة تحتوي الاحتقار والاستخفاف، كلُّ ذلك لهو أشد خطرا على الطفل من العنف الجسدي.
هناك الكثير من الدراسات التي تؤكّد مدى التأثير السلبي المُدمّر للعنف اللفظي على الأطفال وعلى تحصيلهم العلمي.
ففي دراسة مقارنة نشرتها المجلة الأمريكية للطبّ النفسي تبيّن أنّ دماغ أولئك الأفراد الذين عانوا من العنف اللفظي يحتوي على نسبةٍ أقل من المادة الرمادية التي لها علاقة وطيدة بمستوى الذكاء والقدرة على التحليل والتفكير المعقّد.
وفي دراسةٍ على أفراد تتراوح أعمارهم ما بين 18 و25 سنة تعرضوا للعنف اللفظي، لُوحظ تخلف في تطور الاتصال بين الفصين الأيمن والأيسر من الدماغ، وهذا أثّر على مستوى الذكاء والقدرة على التحليل والتفكير وأصبحوا يُعانون من الاكتئاب والغضب والعداء بل والإدمان.
يختلف العقل البشري عن باقي المخلوقات في أنَّه يتكوّن وينمو ويتطوّر باستمرار بعد ولادته ويتأثّر بما حوله، ولكي ينمو هذا العقل بطريقة سليمة وصحيحة فإنَّه يحتاج إلى الرعاية والقبول والتحفيز والتشجيع والحب غير المشروط الذي هو أساس العلاقة بين الطالب ومعلمه.
إنَّ خطورة العنف اللفظي على الطالب تتمثل في الطالب الذي يرى نفسه من خلال نظرة أستاذه إليه، فهوى يرى نفسه متفوّقاً أو متراجعا ذكياً أو غبياً، مجتهداً أو كسلاناً من خلال هذه النظرة.
فالعنف اللفظي يؤدّي إلى انعدام ثقة الطالب بنفسه أمام المعلم، وتعطيل طاقاته الإبداعية، بل وتؤثر سلباً على نمو الطالب عبر مراحله الدراسية جسدياً وعقلياً وروحياً ونفسياً وعاطفياً وأكاديمياً وتزداد نسبة هذا التأثير على المدى البعيد.
وللحديث أكثر في هذا الصدد على أرض الواقع، قامت صحيفة حبر بزيارة خاصة إلى مركز تدريب المعلمين في مدينة حلب المحررة، والذي يُعتبر أحد أهمّ الركائز الأساسية في بناء العملية التربوية التعليمية، والذي بنى فكرته على تأهيل وتطوير اللبنة الأولى تربوياً ألا وهي المعلم، بغية النهوض على بصيرة لبناء المرحلة القادمة من سورية.
وأثناء الزيارة التقينا بالمدير العام للمركز الأستاذ نضال بدوي الذي أكّد على أنَّ المركز يُولي أهمية كبيرة للسلوك التربوي المتخذ من قِبَل المعلم تجاه الطلبة قائلاً: ((لا شكَّ أنَّ المركز يُعنى بالسلوك التربوي، بل إنّ من أولى أولوياته هو تأهيل المعلم وتطوير أدائه ورفع سويته التربوية؛ (فالكورسات) المقررة في المركز برمّتها فيها إشارة واضحة إلى السلوك التربوي فضلاً عن مادة التواصل والدعم النفسي المخصصة لتطوير السلوك التربوي وتحسينه.
فالهدف الرئيس من مقرر مادة التواصل والدعم النفسي هو نقل التعليم من النمط التلقيني إلى النمط التفاعلي، وكذلك حثّ الطلاب على التفكير النقدي.
فمهمة المُربّي لا تبدأ من المادة العلمية بل من شعوره بأنَّه جزءٌ من أسرة المدرسة ككل؛ طلاباً وإداريين ومعلمين)).
وأضافَ: ((هناك فرقٌ بين التربية والتعليم؛ فالتعليم هو نقل وتبادل المعارف والمهارات، بينما التربية هي تهذيبٌ وسلوكٌ اجتماعيٌّ مقبول)).
إنّ الاختلاف الطبيعي بين المعلمين في طريقتهم وأسلوب تعاملهم مع الطلبة، وكذلك بين رؤية كل واحدٍ منهم حول المفهوم العام للعملية التعليمية كان يُحتّمُ انفراد هذا الجانب كمادّةٍ مستقلة حتّى تُكْسِبَ المعلمين عدّة مهاراتٍ أكاديمية تُعتمد في الغرفة الصفية من خلال البحث عن البدائل الايجابية لتعديل السلوك عند الطلبة، وهذا ما وصفه الأستاذ نضال بقوله: ((إنَّ الهدف من مادّة التواصل والدعم النفسي هو التأكّد من جاهزية الطرف الآخر، وهو التلميذ للتواصل معه من خلال الافتتاح بموضوع مناسب يُثير اهتمام الطرف الآخر، كما أنَّه يحرص على ضرورة إيصال رسالة علمية، تربوية، اجتماعية، أخلاقه، دينية، بطريقة سلسة وأسلوبٍ مُحَبّبٍ لدى الطالب )).