قوبلت الأنباء الأخيرة التي أفادت بأن القاهرة ستعيد جزيرتي «تيران» و«صنافير» في البحر الأحمر إلى السيادة السعودية، بمعارضة غاضبة في مصر. فالاتفاق الذي أُعلن خلال زيارة قام بها الملك سلمان إلى القاهرة ودامت خمسة أيام، يشمل أيضاً سخاء سعودي لمصر بما يقارب 22 مليار دولار (بشكل منتجات نفطية يجري تسليمها على مدى خمس سنوات بالإضافة إلى صناديق تنمية)، فضلاً عن مشروع لبناء جسر يربط بين البلدين عبر مضيق تيران بتمويل سعودي، وكذلك تسهيل التجارة والحج إلى مكة المكرمة. ومع ذلك، يستاء العديد من المصريين من ظهور إهانة وطنية تتمثل بإعادة الجزر والإيحاء بأن اقتصادهم القومي يعتمد على الكرم السعودي. ويبدو أن الجمهور من كلا الطرفين يعتقد أيضاً بأنه قد تم التوصل إلى مواءمة غير مستساغة مع إسرائيل حول مسألة الجسر.
في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، كان مضيق تيران يعرف جيداً كبؤرة توتر سياسية ساخنة على غرار بحر الصين الجنوبي في الوقت الحالي. ويقع المضيق في الطرف الجنوبي من خليج العقبة (ويعرف أيضاً باسم خليج إيلات)، ذلك الجزء من البحر الأحمر إلى الشرق من شبه جزيرة سيناء – ونحو المسار المؤدي إلى مدينة إيلات الساحلية في جنوب إسرائيل وميناء العقبة الأردني القريب منها. وحالياً يهيمن المنتجع المصري شرم الشيخ على المضيق – ذلك المنتجع الذي يطل على الجزيرتين.
في عام 1949، وخلال الحرب التي أعقبت قيام دولة إسرائيل، احتلت القوات المصرية جزيرتي «تيران» و«صنافير» بعد أن وصلت القوات الإسرائيلية إلى ساحل البحر الأحمر فيما يعرف اليوم بمدينة إيلات. وبعد ذلك بعام، أعلنت القاهرة سيادتها على الجزيرتين. وخلال حرب عام 1956، استولت إسرائيل على الجزيرتين لفترة من الوقت قبل أن تضغط عليها الولايات المتحدة للانسحاب منهما. وفي الأسابيع التي سبقت حرب عام 1967، وضعت مصر مدفعيتها في المضايق وأعلنت أنها مغلقة أمام إسرائيل، التي اعتبرت هذه الخطوة مبرراً للحرب. ثم عادت القوات الإسرائيلية واحتلت ثانية الجزيرتين واستولت على شبه جزيرة سيناء، واحتفظت بها إلى أن وضعت “اتفاقات كامب ديفيد” شروط الانسحاب في عام 1978. واليوم، وكجزء من نظام الرصد الذي وضعته معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل عام 1979، تقوم وحدات من “القوة متعددة الجنسيات والمراقبون” التي تترأسها الولايات المتحدة، بدوريات في جزيرة تيران.
ووفقاً لتصريحات تلفزيونية أدلى بها وزير الخارجية السعودي عادل الجبير في 10 نيسان/أبريل، لم يكن للمملكة أي اتصال مع إسرائيل حول صفقة الجزيرتين المصريتين، لكن السعودية ستحافظ على شروط معاهدة السلام من خلال ابقائهما منزوعتي السلاح. وليس من الواضح ما إذا كانت السفن التي ستبحر من إيلات وإليها سوف تمر عبر المياه الإقليمية السعودية أثناء تنقلها في أقصى غرب المضيق، الذي لا يزيد عرضه عن ثلاثة أميال.
ويمكن أن تنشأ تحديات دبلوماسية أخرى إذا سار العمل قدماً في الواقع في اقتراح بناء الجسر. وعادة ما ترفع السفن التجارية الإسرائيلية أعلام الملاءمة (أعلام من بلدان أخرى)، ولكن احتمال إبحار سفن البحرية الإسرائيلية تحت جسر سعودي مصري قد يؤدي إلى قيام عدم ارتياح كبير في المملكة. ومن جانبهما، ترغب إسرائيل والأردن في الحفاظ على حقوقهما في حرية التنقل [في المضائق] بموجب”اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار”، لكي يكون بوسعهما المطالبة بأن يتم التشاور معهما بشأن بعض التفاصيل المتعلقة بالصفقة مثل ارتفاع الجسر (لكي يُسمح بمرور الناقلات وسفن الحاويات والسفن السياحية، على سبيل المثال). كما أن للولايات المتحدة مصلحة في ذلك أيضاً – فمؤخراً في عام 2013، مرت السفينة البرمائية الهجومية “يو إس إس كيرسارج”، وهي حاملة طائرات صغيرة أساساً، عبر مضيق هرمز لزيارة إيلات.
إن أكبر نقطة ضعف في الصفقة في الوقت الحالي هي المعارضة الداخلية في مصر، حيث أن مركز الرئيس عبد الفتاح السيسي ليس قوياً. فنقل السيادة هو مسألة حساسة حتى لو بقيت الجزر تحت السيطرة المصرية الفعالة، كما تشير التقارير.
ويُعتقد أن القاهرة قد تشاورت مع إسرائيل وواشنطن خلال أشهر المفاوضات التي أسفرت عن هذه الإعلانات، كما يبدو أن الحكومة الإسرائيلية لم تُثر أي اعتراض شريطة أن لا تؤثر الصفقة على النقل البحري والملاحة الخاصة بإسرائيل. وفي حين يؤكد ذلك على ما يبدو العلاقة القوية بين إسرائيل ومصر، والتي تتضمن حالياً وجود تعاون وثيق في مجالات مكافحة الارهاب وتطوير الغاز الطبيعي، فبإمكان هذه الصفقة أن تعكس أيضاً النضج المتنامي في العلاقات المؤقتة بين السعودية والقدس. ورسمياً، ما زالت الرياض تعارض قيام علاقات رسمية مع إسرائيل، ولكن من الواضح أن كلا البلدين يتشاركان وجهات نظر مماثلة حول قضايا رئيسية مثل التهديد الذي تشكله إيران. وتشير آخر التطورات المتعلقة بمضيق تيران إلى أن خططهما ذات المصالح المشتركة آخذة في الاتساع.
سايمون هندرسون :مدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن.